برمجيات التجسس: تحديات أخلاقية وقانونية في عصر الرقابة الرقمية
رغم المخاوف الأمنية والتحذيرات المتكررة من خطورة برمجيات التجسس والاختراق، مثل برمجية بيجاسوس الشهيرة، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب سمحت لعملاء وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك ICE بالوصول إلى واحدة من أكثر أدوات الاختراق تطوراً في العالم، وذلك بعد قرارها بالمضي قدماً في التعاقد مع شركة Paragon Solutions التي تنتج برامج تجسس يمكن استخدامها لاختراق أي هاتف محمول بما في ذلك التطبيقات المشفرة، ما ينتهك خصوصية الوافدين عبر مختلف الحدود الأميركية.
ما هي برمجيات التجسس؟
وبرمجيات التجسس هي برامج خبيثة تستخدم للتسلل إلى أجهزة الهواتف أو الحواسيب دون علم المستخدم، بغرض سرقة البيانات الشخصية، والرسائل، وتسجيل الصوت والفيديو، وتتبع المواقع، والتنصت على الاتصالات.
سوق برمجيات التجسس
ربما يعتقد البعض أن شركة NSO Group هي الوحيدة في سوق برمجيات التجسس، لكن هذه السوق بها عشرات اللاعبين من شركات تصنيع برمجيات التجسس حول العالم.
وتحول اسم “بيجاسوس” إلى مرادف لتلك الخدمات، فهو أشهر برنامج تجسسي طورته شركة إسرائيلية هي مجموعة NSO Group، ويتميز بقدرته على اختراق الأجهزة العاملة بنظامي أندرويد و iOS سراً وباحترافية.
أفاد تقرير نشره موقع Grand View Research، بأن سوق برمجيات التجسس العالمية وصلت قيمتها إلى 245.6 مليار دولار في 2024، وسط توقعات بأن تتضاعف قيمة السوق لتصل إلى 500.7 مليار دولار بحلول 2030.
إسرائيل تسيطر على سوق التجسس
تتصدر الشركات الإسرائيلية المراكز الخمس الأولى في قائمة المطورين الأشهر للبرمجيات الخبيثة حول العالم، وتأتي NSO Group في الصدارة بسبب برمجيتها فائقة التطور وذات التأثير المدمر “بيجاسوس”، والتي تتميز بقدرتها الفائقة على اختراق الهواتف الذكية سواء عبر روابط خبيثة أو عبر ثغرات Zero-Click، أي دون تفاعل من الضحية.
وتستطيع البرمجية استخراج الرسائل والمكالمات وجهات الاتصال وكلمات المرور والبيانات من تطبيقات مشفّرة مثل واتساب وتلجرام، وتشغيل الميكروفون والكاميرا وتحديد الموقع الجغرافي في الوقت الحقيقي.
الوحدة 8200 الاستخباراتية.. انطلاق التجسس
تُعتبر الوحدة 8200 حجر الأساس الذي انطلقت منه إسرائيل إلى موقع الريادة في سوق برمجيات التجسس عالمياً، فهي أكبر وحدة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ومتخصّصة في التنصت الإلكتروني، واعتراض الإشارات، والهجمات السيبرانية المعقدة.
ولا تبقى هذه الخبرات داخل المؤسسة العسكرية فقط، بل تنتقل مع خريجي الوحدة إلى القطاع الخاص، لتصبح رأس المال البشري الذي يقود صناعة التجسس التجاري.
كيف تعمل برمجيات التجسس؟
تعمل برمجيات التجسس عادةً بطرق سرية يصعب على المستخدم العادي ملاحظتها، ففي البداية يجري تثبيت البرنامج خلسةً عبر رسائل نصية خادعة أو روابط تصيّد إلكتروني، وقد تُزرع أحياناً من خلال استغلال ثغرات أمنية في أنظمة التشغيل نفسها دون أي تدخل من المستخدم.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يمكن لهذه البرمجيات أن تمنح المُهاجم قدرة مباشرة على التحكم في كاميرا الجهاز وميكروفونه للتجسس الحي على الضحية.
جرافيت.. إدارة ترمب تتجسس
لفترة طويلة تجنبت الحكومة الأميركية استخدام تقنية برامج التجسس المصنوعة خارج الولايات المتحدة بسبب مخاوف من أن أي شركة تبيع التكنولوجيا لعدة وكالات حكومية حول العالم تمثل خطراً أمنياً محتملاً.
وفي عام 2024، وقّعت Paragon عقداً مع وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) بقيمة 2 مليون دولار لتزويدها ببرنامج Graphite.
لكن بعد استحواذ الشركة الأميركية AE Industrial Partners على Paragon ودمجها مع REDLattice، رفعت واشنطن التجميد عن العقد في عام 2025، وعادت الوكالة الأميركية لاستخدام البرمجية بشكل رسمي.
ومنذ تأسيسها، حاولت باراجون أن تميّز نفسها عن شركات أخرى مثل NSO وIntellexa، فهي تعلن أنها لا تبيع منتجاتها إلا لحكومات “ملتزمة بالمعايير الديمقراطية”، وأنها لا تستهدف الصحفيين أو النشطاء، بل تركّز فقط على “الإرهابيين” و”المجرمين”.
لكن التقارير الاستقصائية أثبتت أن هذه الادعاءات لا تعكس الواقع بشكل كامل، إذ أظهرت تسريبات وتحقيقات أن برمجياتها استُخدمت بالفعل ضد صحافيين ونشطاء مجتمع مدني.
تحديات أخلاقية وقانونية
لم تعد برمجيات التجسس مجرد أدوات خفية تُستخدم على نطاق ضيق بين أجهزة الاستخبارات، بل تحوّلت إلى صناعة ضخمة تقدَّر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، مدفوعة بتزايد الطلب الحكومي والخاص على أدوات المراقبة الرقمية.
هذا النمو الهائل فتح الباب أمام فرص اقتصادية واستراتيجية، لكنه في المقابل أثار تحديات أخلاقية وقانونية غير مسبوقة، خصوصاً مع توثيق استخدامها ضد صحافيين ونشطاء ومعارضين.

