مقدمة
نفط العراق يكفي العالم لمدة 120 عاماً"، تصريحات لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لا يمكن التعامل معها بوصفها مجرد ملاحظة تقنية عن حجم الاحتياطيات، بل هي انعكاس لذهنية اقتصادية ترسخت في إدارة الدولة منذ عقود. هذه الذهنية تقوم على الاطمئنان إلى وفرة المورد النفطي بوصفه ضمانة أبدية، متجاهلة حقيقة أن وفرة المورد لا تساوي بالضرورة وفرة في التنمية أو في العدالة الاجتماعية.
الوفرة النفطية واعتماد العراق الأحادي
مثل هذه المقاربة تجعل من النفط قيداً على الخيال الاقتصادي، وتدفع بالطبقة السياسية إلى تأجيل التفكير في مرحلة ما بعد النفط، بينما تتسارع تحولات الطاقة في العالم نحو بدائل متجددة. في هذا المناخ جاء إعلان رئيس مجلس ديالى، عمر الكروي، عن توقيع عقد لحفر ثمانية آبار جديدة في حقل نفط خانة، ليضيف بعداً آخر إلى معضلة الاعتماد الأحادي.
تحديات الاستثمار النفطي في العراق
الكروي قال إن "شركة نفط الوسط أبرمت اتفاقاً مهماً مع شركات دولية لحفر ثمانية آبار في حوض حقل نفط خانة شمال شرق ديالى، وهو الحقل الأقدم على مستوى العراق ويتميز باحتياطاته الكبيرة من النفط". هذه الجملة لا تعكس فقط فرحة محلية بعودة الاستثمار إلى حقل ظل مهملاً أكثر من سبعة عقود، بل تكشف أيضاً أن منطق إدارة الثروة ما زال يدور حول الاستخراج والتصدير الخام، لا حول خلق قيمة مضافة أو بناء صناعات موازية.
فرص الاستثمار والتنمية
الكروي تابع قائلاً إن "الحقل يمتد على مساحة جغرافية تزيد عن 2000 كيلومتر مربع"، وهو توصيف يظهر ضخامة الرقعة الجيولوجية غير المستثمرة. غير أن أهمية هذا الرقم لا تكمن في المساحة بحد ذاتها، بل في كونه دليلاً على اتساع الهوة بين الإمكانات المتاحة والقدرة الفعلية على استغلالها بشكل استراتيجي.
التحديات الاقتصادية
وعندما أوضح الكروي أن "الحقل يتألف أساساً من ثلاثة حقول متقاربة تضم كميات كبيرة من النفط والغاز"، بدا وكأنه يقدم شهادة على إمكانية التحول إلى مشروع متكامل يمكن أن يجمع بين الإنتاج النفطي والغازي في آن واحد. غير أن القراءة المتأنية تكشف أن هذا الاحتمال لا يزال مجرد فرضية، ما دام الهدف المباشر هو حفر آبار جديدة، بينما الصناعات التحويلية والبتروكيمياوية تبقى في إطار "الدراسات المستقبلية".
النتائج والتحديات المستقبلية
الأرقام الرسمية تضيف بُعداً آخر لهذا الجدل. فبحسب بيانات وزارة النفط، تم خلال عام 2024 حفر أكثر من 50 بئراً جديدة واستصلاح أكثر من 130 بئراً في حقول مثل الرميلة ومجنون وغرب القرنة وكركوك. العراق اليوم يملك أكثر من 145 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة، فيما يضم حقل الرميلة وحده أكثر من 550 بئراً منتجة. ورغم هذا، ما زال الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بنسبة تفوق 90% من إيرادات الموازنة العامة.
الخاتمة
الخاتمة تبقى مفتوحة على سؤال جوهري: هل ستكون خطوة حفر الآبار الثمانية في خانة بداية لتحول نوعي نحو بناء قاعدة صناعية وبتروكيمياوية متكاملة، أم أنها ستبقى مجرد محطة جديدة في مسلسل الاعتماد الأحادي على النفط الخام؟ بين تصريح السوداني عن وفرة تكفي العالم 120 عاماً، وخطط الكروي لإحياء أقدم الحقول، يكمن التحدي الحقيقي: ليس في حجم الاحتياطيات، بل في إرادة الدولة في تحويل هذه الوفرة إلى مشروع اقتصادي متنوع ومستدام.

