أدى 207 أعضاء جدد مراسم حلف اليمين القانونية للدفعة الجديدة من المندوبين المساعدين بمجلس الدولة برئاسة المستشار أسامة يوسف شلبي رئيس المجلس، ولأول مرة في تاريخ مصر تؤدي 48 قاضية اليمين لينخرطن في السلك القضائي، بموجب قرار رئيس الجمهورية 447.
وتلك خطوة عظيمة في تاريخ نضال المرأة المصرية التي استطاعت منذ بداية القرن العشرين وعبر سنوات طوال من الكفاح والسعي للحصول على حقوقها الكاملة. ومن درس أو قرأ تاريخ نضال المرأة المصرية المشرف يدرك جيدا أهمية هذه الخطوة ، التي تأتي تتويجا لجهود كثيرة عبر عقود، ربما لا يشعر بها أبناء الأجيال الجديدة الذي أصبح مشهد مشاركة المرأة فيه شتى مجالات العمل مشهداً معتادا، ولا يعرف الكثيرون حجم المعاناة التي تكبدتها والتي أوصلتها لما وصلت إليه الآن.
لم يكن يتبقى سوى جهات قليلة حجبت عن السيدات المشاركة والدخول فيها منها القضاء، وعلى الرغم من أن مصر قد كان لها قصب السبق في أمور كثيرة فيما يخصّ تعليم وعمل وحقوق المرأة ، لكن لم يكن منها التحاق المرأة بالقضاء، ولعل هذا يحسب أيضا للقيادة السياسية التي كسرت هذا الحاجز ومنحت سيدات مصر حقاً قد تأخر كثيراً، بعد أن سبقتنا إليه دول أجنبية وعربية ، لكنه في النهاية قد تحقق بالفعل وأصبح واقعاً، وهذا إنجاز كبير.
لكن نظرا لما يحيط بنا من سموم وتربص سواء من جماعات سياسية كارهة للوطن، أو حتى لضحايا من أبناء هذا الشعب اختلطت عليهم الأمور، وأصبحت قدرتهم على الفهم والاستيعاب يشوبها شوائب كثيرة بحكم الإلحاح السلبي الذي تعرضوا له على مدى السنوات بل والعقود الماضية، وكله باسم الإسلام والدين والتقاليد، وكل هؤلاء براء من تلك الأفكار.
فبدلاً من الترحيب والاستبشار بهذه الخطوة التي- كما ذكرنا- تأخرت كثيراً، خرج فصيل يشكك في قدرات المرأة وفي أحقيتها، وذهب البعض إلى أن ذلك يخالف الدين والشرع ، وأن القاضي مثل الإمام في الصلاة يجب أن يكون رجلا، ومن يقول ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، ومن يقول أن قلب المرأة سيطغى على عقلها.
الحقيقة أن كل هذا يدل على سطحية شديدة وجهل بالدين والتاريخ بل وطبيعة المرأة، وأنا هنا لست في مجال الدفاع عن المرأة ولكني أتعجب جدا لمثل هذه الأقاويل، فهناك بالفعل قاضيات في دول عربية مثل لبنان والسودان وتونس والمغرب وغيرها من الدول العربية، وهناك أيضا سيدات قاضيات كثيرات في الدول الأجنبية، ولم يجرؤ أحد أن يردد تلك السخافات التي تتردد عندنا، فكل هؤلاء مثلهن مثل القضاة يحكمن بالقوانين التي تضعها المجتمعات، ولا صلة لها بالمشاعر أو العواطف ، وحتى إن كانت فمن المؤكد أن حدس المرأة غريزة مدهشة، ثم من أين لهم تلك الأفكار التي عفا عليها الزمن، فمنذ تولت سيدات حكم دول ورئاسات وزارات ووزيرات ومناصب دولية ودبلوماسية واقتصادية كبرى، وأثبتن نجاحا كبيرا، ولم يعد أحد يلتفت إن كان المنصب يشغله رجل أو امرأة، أمثال أنديرا غاندي وبناظير بوتو ومارجريت تاتشر وأنچيلا ميركل وغيرهن ممن سجل التاريخ قوتهن ونجاحهن، وهذا يدفعنا للتساؤل: هل يرى هؤلاء أن المراة في الغرب أكثر قوة وذكاء من المرأة المصرية؟ من المؤكد أن الإجابة بالنفي، لكن الفرق هنا في تفتح واستنارة المجتمع!
بل حتى إذا ما رجعنا لكتاب الله وقصة ملكة سبأ، فإن الآيات كلها تتناول قوم لا يعبدون الله ويسجدون للشمس، وتحكمهم امرأة، ولو كان الأمر مكروها لذكره الله تعالى في كتابه الكريم ونهى عنه، لكنه الجهل يا سيادة والتطرف والتخلف الذي يفسد علينا كل الخطوات الإيجابية ، ويشككنا في كل أمورنا.
دعونا نفرح ببناتنا وشاباتنا اللاتي يخطون خطواتهن الأولى في السلك القضائي ويفتحن الباب لغيرهن من بنات مصر النابهات ، ويسطرن بتحملهن هذه المسئولية الكبيرة صفحة جديدة في تاريخ المرأة المصرية المشرف.

