في 700 يوم تتواصل حرب الإبادة الجماعية ضد أهالينا في قطاع غزة، مع بدء اجتياح جديد لمدينة غزة، وتدمير وقتل أهالينا في كافة مدن وقرى فلسطين المحتلة، في الضفة الغربية، وفى قطاع غزة، ومع كل تلك الأيام لم يخجل العالم من نفسه، بل كانت 700 يوم فاضحة للعالم وقوانينه ومبادئه وانسانيته، ولنا أن نتخيل أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لقيامهم بإصدار قرارات اعتقال بحق نتنياهو، وغالانت وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، كما تقوم حاليا برفض تأشيرات السلطة الفلسطينية، وقد تتوسع لفرض قيود على تأشيرات آخرين، خشية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويمارس الأمريكان من الفجر القانوني ما لا يمكن حصره في تصريح أو قرار، بل هي حرب أمريكية إسرائيلية بامتياز لا يمكن الفصل بين الطرفين، وكلاهما معتدى وممارس للابادة الجماعية في حق الفلسطينين، وستدور الدوائر، وسيتمكن كل فلسطيني في يوم من الأيام أن ينازع هؤلاء قضائيا، ويأخذ حقه من كل المعتدين.
في 700 يوما وقفت غزة تبكى الدموع أمام العالم، ولم يتراجع العالم عن جبروته، بل إن الاحتلال الإسرائيلي واصل القتل ليل نهار، وحارب الجميع، وقتل من الأطفال ما لايمكن احصاءه، وقتل من السيدات والشيوخ والمسنين، ما لايمكن الوقوف على عدده، في حين يتحدث القتلة عن 50 محتجزا مازالوا في القطاع، متغافلين كل ما تم تدميره من مستشفيات ومدارس ودور عبادة، ومراكز مساعدات، ومؤسسات أممية، ولم يخجل العالم من كل شهادات المسئولين الأمممين، ومعظمهم من جنسيات غير غربية، يتحدثون ليل نهار عن حجم جرائم الإبادة الجماعية التي تمارس ضد أهل فلسطين المحتلة، وجرائم الوزراء والمستوطنين الاسرائليين في حق كل أهل فلسطين، حتى الذين يبعدون كل البعد عن قطاع غزة، وما حدث في 7 أكتوبر، ولم يترك الإسرائيليون مساحة لأي شخص أن يتذرع بأي صورة حتى يقف معهم، بل يمارسون القتل بفجاجة عظيمة، وبشهوة وحمية لا يمكن مقارنتها بأي شكل آخر، وكأن هذا الزمن زمنهم، ولابد لهم من الانتهاء قبل أن تدور عليهم الدوائر، وسيحدث ذلك عاجلا أم آجلا.
في 700 يوما استطاعت الحرب في غزة أن تصنف القيادات والدول والشعوب، ولا يمكن اللعب على تلك المساحة إطلاقا، أو محاولة تجاوزها، فالحرب في غزة فارقة في التاريخ، خاصة أنها حرب مصورة ليل نهار، وفيها من التوثيق ما يعجز العقل على تقبله، بل مارس الاحتلال الإسرائيلي كل أمر ممكن حتى يقضى على كل كاميرة وكل مراسل داخل القطاع، وسقط مئات الشهداء من الإعلاميين والصحفيين، حتى يقضى على الحقيقة، والتي تؤكد أن إسرائيل تقتل كل فلسطيني متحرك في القطاع، رغبة منهم في افناء أكثر من 2 مليون و 300 ألف مواطن عربى حر يعيش في أرضه، غير أنهم لا يدركون أنهم زرعوا في عقول هؤلاء جميعا، أن عدوهم معروف، وإسرائيل هي من قتلت أبنائهم، وهى التي دمرت قراهم ومدارسهم وكنائسهم و مساجدهم، وسيخرج من هؤلاء من يستطيع أن يثأر لأهله وناسه، وهذا أمر لا مفر منه على الاطلاق، وتؤكده الشواهد والدراسات، وكل من يعلم طبيعة البشر عموما.
في 700 يوم حاولت إسرائيل هندسة الشرق الأوسط، وهو ما قاله نتنياهو في عدة لقاءات معلنة، غير أنه بدون قصد، وبغباء لا يحسد عليه، قد قام بهندسة إسرائيل نفسها، وفضح كل مبادئها الهشة، والمعايير التي حاولوا بيعها للعالم منذ ظهورها قبل 75 عاما، كما كشف قوة جيشه، وخططه، وقدرته، والأدوات والفرق والأولوية الجديدة، ووضعهم مكشوفين أمام كل صاحب بصيرة، حتى يعلم الجميع عن جيش الاحتلال وقادته وقدرته وتحركاته، بل وانتهازيته، وعدم أخلاقيته في إدارة المواجهات، وبالتالي كلها مكتسبات عظيمة، وضعها نتنياهو بنفسه أمام العالم، وجعل جيشه منهكا مشتتا، يخاف كل ذرة رمل، وخاف الجنود الإعلان عن أنفسهم في أي رحلة خارجية، خشية الملاحقة الشعبية أو القضائية، وسيعيش هؤلاء جميعا في ملاحقة، حتى لو ظن بعضهم أنه كان يقوم بمهمة دينية مقدسة بقتله أهل غزة وأطفالها.
في 700 يوم استطاع نتنياهو أن يشق المجتمع الإسرائيلي نفسه، وكشف إسرائيل من الداخل للعالم، فعرف العالم ماهى مكونات تل أبيب وحيفا وعكا، وماهى نقاط الضعف والتأثير فيها، وكيف يمكن خنقها حتى لو لم تتوفر الأدوات، وسب نتياهو المتظاهرين في أكثر من مناسبة، وهو أمر يتعارض قانونيا ودينيا، مع مظاهرات تطالب بجثث المتوفين، والأحياء المحتجزين، ولم يستطع نتنياهو وجيشه واستخباراته الرجوع بهم، وفى 700 يوما دخل عدد كبير من الشباب وصغار السن لمرحلة الوعى، وخلال اشتباك هؤلاء مع الوعى العام، عرفوا معنى فلسطين المحتلة، وماهي غزة، ومن هو الجيش الأكثر انتهاكا للدين والضمير والأخلاق، وهو جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكيف لا يتورع هؤلاء عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، بل واستهداف أسر قادة الدول، مثلما فعلوا في إيران، وهو أمر يجعل الشعوب ترتبط أكثر بقادتها ومؤسساتها، ولن يصيب تلك الشعوب الخوف أو العجز الذى يتوقعه الإسرائيليون، وهو في وهم كبير، لن يخرجوا منه قبل أن تحدث لحظة قدرية ستؤثر على مستقبل إسرائيل قولا واحدا.
في 700 يوم أثبتت غزة أنها عصية على الكسر، وقوية في الصمود، وأن شعبها شعب الله المختار بكل ما قدموه، وما أثبتوه للعالم ولأنفسهم، ومواصلتهم النضال ليل نهار، هي الوسيلة الوحيدة التي تضمن استمراريتهم، ولن يذهبوا للتهجير مهما كانت الذرائع والهلاوس التي يصدرها نتنياهو وجماعته، وفى الأيام المقبلة سيكون قدر الله على أهل فلسطين_ بإذن الله_ عظيم، وسيكون لهم الغلبة مهما حاول نتنياهو، وجماعته، بل ولو اجتمع العالم كله عليهم، فضريبة الدم الذى سقط في غزة والضفة، سيكون وبالا على كل من ظلمهم!.

