حكاية رجل القوة في كوت ديفوار
على امتداد عقود، كان اسم الحسن درامان واتارا حاضراً في تاريخ كوت ديفوار. هذا الرجل الاقتصادي التكنوقراطي، الذي احترف لغة الأرقام، صاغ بها مشروعه السياسي. وقد استعان به الرئيس الأسبق ومؤسس كوت ديفوار فيليكس هوفويه بوانيي لإنقاذ الاقتصاد المتعثر.
حجة الظروف الاستثنائية
واتارا يدافع عن رغبته في البقاء، بحجة وجود «ظروف استثنائية تمر بها البلاد، وتفرض عليه الاستمرار في القيادة». وفي رسالة مصوّرة نشرها عبر حسابه على منصة «إكس»، قال: «ثمة تحديات أمنية واقتصادية ومالية غير مسبوقة تتطلب الخبرة لإدارتها». وبرّر واتارا تراجعه عن تعهدات سابقة عام 2020 بشأن عزوفه عن الترشح، قائلاً: «الواجب يتجاوز أحياناً وعوداً قُدمت بحسن نية».
شخصية تكنوقراطية دولية
ولد الحسن درامان واتارا يوم الأول من يناير 1942 في بلدة ديمبوكرو، وسط البلاد، وهو ينتمي لعائلة ثرية من الشمال ذي الغالبية المسلمة. ونشأ في أسرة تقليدية محافظة، لكنها دفعت بابنها الطموح إلى أبواب التعليم الحديث. وحقّاً، أمضى معظم سنوات تعليمه الأساسي بين مدارس في كوت ديفوار، وجارتها بوركينا فاسو.
مهمة إنقاذية مع الرئيس المؤسس
عام 1990، استعان به فيليكس هوفويه بوانيي، الرئيس المؤسس لكوت ديفوار، لإنقاذ الاقتصاد وإدارة مرحلة التقشف، وعيّنه رئيساً للوزراء حتى 1993. طبّق واتارا وصفات التقشف والتغيير التي أوصت بها المؤسسات الدولية. ورغم قسوة قراراته على الطبقات الوسطى والفقيرة، فإنها أكسبته سمعة التكنوقراطي الصارم والخبير المتمكن.
عقبة الهوية
مع هذا، لم يكن طريق السياسة ممهداً كطريق الاقتصاد. إذ عاش واتارا تجربة قصيرة مع السلطة، قبل أن يصطدم بعقبة «الهوية الإيفوارية»، ما حال بينه وبين قصر الحكم لسنوات. وبينما أكّد دائماً أن والديه من كوت ديفوار، قضت محكمة عام 1995 بأن والدته من بوركينا فاسو المجاورة.
حرب أهلية
عام 2002، اندلعت حرب أهلية قسّمت البلاد بين شمال وجنوب، وصوّر غباغبو نفسه كمن يتعرّض لهجوم من قوى أجنبية. واتّهم واتارا بدعم حركة «القوات الجديدة» المتمردة في الشمال. ورغم نفي واتارا هذا الاتهام، فإنه ظلّ يلاحقه، خاصةً أن المتمردين شكّلوا العمود الفقري لقواته القتالية، عقب توليه الرئاسة لاحقاً.
واتارا رئيساً
مهّدت تلك الأحداث لتعديل الدستور، وإلغاء شرط أن يكون والدا المرشح من أصول إيفوارية. هذا فتح الباب أمام واتارا لمنافسة الرئيس غباغبو في الانتخابات التي أجريت في نوفمبر 2010. ورغم تأكيد بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في كوت ديفوار فوز واتارا، رفض غباغبو الاعتراف بالهزيمة، لتبدأ حالة جمود سياسي استمرت أشهراً، وانزلقت إثرها البلاد إلى أزمة مسلحة جديدة.
رجل التحديث
إبّان ولاية واتارا الأولى، جرى التركيز على إعادة بناء الاقتصاد، واستعادة ثقة المستثمرين، فتضاعفت معدلات النمو، وأصبح لكوت ديفوار أحد أسرع الاقتصادات نمواً في أفريقيا. واهتم واتارا بالبنى التحتية، ودشن سدوداً ساهمت في زيادة إنتاج الكهرباء.
الجدل السياسي
وحقّاً، رافق الجدل السياسي محطات عدة في مسيرة واتارا، الذي أُعيد انتخابه في 2015 بنسبة تفوق 83 في المائة، ثم في عام 2020 وسط مقاطعة واسعة وتوترات دامية، ليبدأ ولاية ثالثة، مطعون في شرعيتها، أعادت إحياء الانقسام. واليوم، بعد 15 سنة في السلطة يترقب الجميع أي صورة سترتبط باسم واتارا… «المنقذ» الذي أعاد إحياء اقتصاد كوت ديفوار، أم «الزعيم الأبدي» الذي يرفض التخلي عن السلطة.

