لم يعد التسول كما كان في السابق مجرد مظهر تقليدي لشخص بملابس قديمة ومقطعة، يقف على ناصية الطريق أو أمام إشارات المرور، فاليوم، بات الأمر أقرب إلى حرفة منظمة تستغل عواطف الناس بطرق مبتكرة، وأحيانًا صادمة.
كنت شاهدًا على واقعة جعلتني أعيد التفكير في مفهوم هذه الظاهرة البغيضة، بينما كنت أسير بشارع المتحف الزراعي أسفل كوبري 6 أكتوبر في منطقة العجوزة، توقفت أمامي سيارة فارهة لا يقل ثمنها عن 2 -3 مليون جنيه حسب تقديري، توقعت أن يسأل السائق عن عنوان أو مكان، لكن المفاجأة كانت عندما أطل شخص وهم بإنزال زجاج سيارته وبلباس أنيق ونظارة يبدو عليها أنها “براند” هم بسؤالي بهدوء: “بقولك يا أستاذ.. ممكن 10 جنيه بس؟”.
توقفت لحظة، مصدومًا أحاول أن أستوعب ما سمعته، وهل ما سمعته صحيحًا بالفعل؟، رددت عليه بالقول: نعم؟ .. فأعاد جملته “ممكن 10 جنيه بس”، نظرت نظرة إلى السيارة الفاخرة وإلى صاحبها الذي واصل طريقه بعدما شاهد ردة فعلي واندهاشي من طلبه، ثم ما لبث أن واصل السير بسيارته لينادي على آخرين بالطريقة نفسها، شخصًا يلو الآخر، حتى نهاية الشارع.
وللتأكد من أن الأمر ليس مزاحًا، تحدثت مع اثنين من المارة الذين أوقفهم سائق السيارة الفارهة، فكلاهما أكد أنه طلب منهم المبلغ ذاته، لحظتها أيقنت أننا أمام مشهد جديد تمامًا للتسول.
حرصت على التقاط صورة للسيارة، ليس بغرض فضح الشخص، وإنما كوثيقة على تطور أساليب التسول في شوارعنا إلى هذا الحد المقلق.
إن هؤلاء الذين يتخذون من التسول “حرفة” فاخرة يسرقون التعاطف الذي يستحقه من لا يجد ما يسد به رمقه، فرفقًا بالفقراء والمساكين.