لم يكن احتفال مصر بذكرى المولد النبوى الشريف هذا العام، مجرد مناسبة دينية تقليدية، بل جاء محملًا برسائل تطمينية عميقة تعكس وعى الدولة بحجم التحديات التى تواجهها، ويقظتها فى إدراك ما يُحاك ضدها من مؤامرات ومخططات.
خلال الاحتفال الذى أقامته وزارة الأوقاف أمس، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته أن ذكرى ميلاد الرسول الكريم هى دعوة متجددة لإحياء منظومة القيم والأخلاق المحمدية، تلك التى تمثل جوهر البناء الإنسانى والحضارى، فالمجتمع لا يقوم على القوة المادية وحدها، وإنما على منظومة متكاملة من الصدق والأمانة، والعناية بالطفولة والمرأة، واحترام العلم والبحث العلمى، والتضحية فى سبيل الوطن.
الملفت للانتباه هو الرسالة التطمينية المباشرة، التى وجهها الرئيس فى ختام كلمته للشعب المصرى، حين أكد يقظة الدولة وإدراكها لما يجرى حولها، واستعدادها لمواجهة التحديات بوعى وإجراءات مدروسة، مرتكزة على صلابة الشعب المصرى وإيمانه بالله أولا ثم بوطنه، ومتيقنة أن مصر ستظل – بإذن الله – أرض الأمان والسلام.
وجاءت كلمة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، لتذكر الأمة بدروس التاريخ والعبر المستوحاة منه، وبخاصة تجربة الصليبيين فى فلسطين، التى انتهت بالوحدة والاصطفاف خلف القيادة المخلصة، فتحدث الطيب عن أن الحل الوحيد اليوم هو فى التضامن العربى والإسلامى، لا من باب الدعوة للحروب والصراعات، بل من منطلق العدالة والإنصاف وانتزاع الحقوق المشروعة.
شيخ الأزهر شدد على أن العدل والسلام اللذين تنادى بهما الأمة، لا يمكن أن يتحققا بالتفريط فى ذرة تراب أو التنازل عن المقدسات، بل بصناعة القوة والإرادة والعلم والتنمية الاقتصادية والتسليح الرادع، وهو ما دعاه فى نهاية كلمته إلى توجيه تحية للرئيس السيسى على مواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية، ودعمه لحق الشعب الفلسطينى فى أرضه ورفضه لمؤامرات التهجير.
وتتلاقى كلمتا السيد الرئيس وشيخ الأزهر فى نقطة جوهرية تتمثل فى اليقظة والوعى بحجم التحديات، فالرئيس أشار بوضوح إلى ما يُحاك ضد مصر، وأن الدولة المصرية تدرك وتواجه بتخطيط مدروس، بينما الإمام الأكبر لفت الأنظار إلى القضية الفلسطينية باعتبارها معيارًا أساسيًا لعدالة المواقف وصلابة الإرادة.
إن الرسالتين معًا تقدمان صورة مصر التى لا تنعزل عن قضايا أمتها، ولا تغفل فى الوقت ذاته عن بناء الداخل وتعزيز القيم ومواجهة التحديات. مصر التى تدرك أن قوتها الحقيقية تنبع من تماسك شعبها، ووحدته خلف قيادته، وصلابته فى الدفاع عن قضاياه الوطنية والقومية.
احتفال مصر بالمولد النبوى الشريف هذا العام، لم يكن مجرد مناسبة روحانية، بل كان مناسبة لتجديد العزم على السير فى طريق البناء، والتأكيد على أن مصر، برئيسها ومؤسساتها الدينية، مدركة وواعية لما يحيط بها من تحديات، ومصممة على المضى قدمًا فى حماية الوطن وتعزيز مكانته ودوره التاريخى فى المنطقة.

