تجمع الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع أعضاء المنظمة في منتدى مفتوح يتمتعون فيه بحقوق تصويت متساوية. كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة هي التي اعتمدت خطة التقسيم الأولى لفلسطين في عام 1947، ومن ثم لعبت دوراً بنّاءً دائماً في تعزيز واعتماد «حل الدولتين» لإسرائيل وفلسطين. العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي البارزة، وكل رئيس أميركي، كانوا قد دعموا «حل الدولتين». مبادرة السلام السعودية في بيروت لعام 2002 أوضحت بشكل شامل الفرص والمسؤوليات لجميع الأطراف في تحقيق السلام الإقليمي والاستقرار والازدهار الإقليمي في سياق «حل الدولتين». في سبتمبر (أيلول) المقبل، يجب على الدول أن تتكاتف في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعريف خطوات واضحة لإنهاء الحرب والمجزرة في غزة، وكذلك نحو تحقيق «حل الدولتين».
في نهاية الحرب العالمية الثانية، قبلت ألمانيا المسؤولية عن جرائمها والتعويضات المالية والأخلاقية المستحقة لعائلات الضحايا، وخاصة ضحايا «الهولوكوست» والشعب اليهودي بشكل عام. لقد ارتكبت إسرائيل بدورها العديد من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها حالياً من خلال القتل العشوائي، والتجويع، والإزالة القسرية للفلسطينيين، «جاعلين حياتهم بائسة إلى درجة أنهم سيغادرون المنطقة بالكامل»، على حد قول توماس فريدمان. هذه الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن معاناة مليوني غزّي، والهدم المتعمد لمنازلهم، والسياسات التي تؤدي إلى التجويع، والقتل العشوائي والمتعمد لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، والعاملين الصحيين والصحافيين. يجب تحميل إسرائيل المسؤولية عن الوفيات، والأضرار، والجرائم المرتكبة، فضلاً عن التعويضات.
بوصفها أمّ الدولة الإسرائيلية، يجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تُظهر أنها أيضاً أمّ الفلسطينيين، بل أمّ الإنسانية جمعاء. يجب إصدار قرار دقيق يعالج جرائم إسرائيل كما ورد أعلاه، فضلاً عن الحاجة إلى التعويضات، ووجود طريق واضح نحو «حل الدولتين»، ليكون صوت ضمير العالم. مع اعتراف وزراء إسرائيليين الآن رسمياً بعدم نيتهم السماح بقيام دولة فلسطينية أبداً، يجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك مجلس الأمن، أن يكونا أكثر حزماً في الإصرار على التعويضات وخريطة الطريق نحو السلام و«حل الدولتين». لقد حان الوقت للبشرية أن تتحد ضد هذه المذبحة وإراقة الدماء التي تمزق عالمنا.
في مقال له في «نيويورك تايمز» بتاريخ 25 أغسطس (آب) بعنوان «حملة إسرائيل في غزة تجعل منها دولة منبوذة»، يكتب توماس فريدمان: «هذه الحكومة الإسرائيلية ترتكب انتحاراً وقتلاً وقتل الأخوة»، مشيراً إلى أنه «يبدو للكثيرين حول العالم أن المدنيين الفلسطينيين يُقتلون بالعشرات تقريباً يومياً كنتيجة حتمية (…) لجهود ضمان عدم وجود شريك فلسطيني لإسرائيل في غزة». في مواجهة المذبحة والدمار الذي نشاهده جميعاً في غزة، يجب أن تقف القوة الدولية للتعاطف مع الفلسطينيين، وأن تمد يدها أيضاً إلى العديد من اليهود والإسرائيليين الذين يدينون أفعال إسرائيل في غزة.
بصفتنا عرباً، يجب أن نذكّر الإسرائيليين وكل اليهود بأنهم جزء لا يتجزأ من الشرق الأوسط، ومن رسالة الله، ومن التراث المشترك للأديان التوحيدية الثلاثة الكبرى. لقرون، عاش اليهود والمسيحيون والمسلمون معاً في سلام في الشرق الأوسط. كما ألمح فريدمان سابقاً، فإن سياسات هذه الحكومة الإسرائيلية لا علاقة لها باليهودية، بل بنوع من الصهيونية الغاضبة والمتطرفة التي رافقت الدولة الإسرائيلية منذ الميليشيات الصهيونية اليمينية والآيديولوجية التي سبقت تأسيسها. يجب أن يكون واضحاً للجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن هذه السياسات والآيديولوجيات ليس لها مكان في الشرق الأوسط المستقر، والسلام الذي نطمح إليه جميعاً ونعمل من أجله.
في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبل، تقع علينا نحن العرب مسؤولية ودور إضافيان؛ إذ ندافع عن كرامة وحقوق الشعب الفلسطيني، وعن الدولة التي يستحقونها، ولكن أيضاً من أجل إخبار جميع الإسرائيليين واليهود الذين يشاركوننا رغبتنا في السلام وعلاقات الجوار الإيجابية، بأنهم جزء لا يتجزأ من الشرق الأوسط الذي شاركناه بسلام لقرون. يتشاطر الرأي العام الدولي والمجتمع الدولي رغبتنا في السلام و«حل الدولتين». علينا أيضاً أن ندرك أننا بحاجة إلى التحدث مع الشعبين الإسرائيلي واليهودي أكثر من أي وقت مضى إذا أردنا استبدال ببنادق الكراهية «شفاء بالشفاء» من خلال قبول الآخر.