التحولات السياسية في العراق: أحزاب ناشئة بين الواقع والتحديات
بالتأكيد، لم يعد الحديث عن الأحزاب الناشئة في العراق مجرد ترف سياسي أو تفصيل عابر، بل أصبح انعكاساً لازماً لطبيعة التحولات التي أعقبت احتجاجات تشرين 2019 وما تلاها من انقسامات وانبعاث كيانات صغيرة تحاول أن تجد لها مكاناً بين جبال الأحزاب التقليدية الراسخة.
واقع الأحزاب الناشئة في النجف
في النجف، المدينة التي تُعد رمزاً للقرار الديني والسياسي معاً، يصف المتحدث في الشأن السياسي ميثم الخلخالي هذا الواقع بأنه ليس مؤشراً على فشل التجربة الديمقراطية، بل "يمثل مساحة للحرية وحقاً مشروعاً في تكوين كيانات جديدة". ومع ذلك، يفتح هذا التوصيف أبواباً واسعة للأسئلة حول قدرة هذه الأحزاب الوليدة على النجاة في حلبة يغلب عليها المال والنفوذ والسلاح.
تحديات الأحزاب الناشئة
الخلخالي يُوضح أن "هذه الأحزاب ولدت حزبية أي بمعنى مدعومة من قِبل قوى تقليدية كبرى وتنتهج أيديولوجياتها ونهجها القديم". هذا يضع إصبعه على مأزق مزدوج: أحزاب تبدو ناشئة شكلياً لكنها تحمل جينات الماضي، وأخرى لم تنجح حتى في التعريف بنفسها بسبب "ضعف التمويل أو اعتمادها على جهود شخصيات شبابية تمتلك جماهير محدودة".
مشاركة الأحزاب الناشئة في الانتخابات
المشاركة في الانتخابات المقبلة ستكون حاضرة رغم أن بعض الأحزاب أعلنت مقاطعتها. هذا يشير إلى أن حضورها ليس خياراً استراتيجياً بقدر ما هو محاولة لإثبات الذات حتى في بيئة انتخابية غير عادلة. بين أحزاب "فضلت عدم المشاركة من دون الدعوة إلى المقاطعة"، وأخرى "تدعو بوضوح إلى المشاركة"، يتكشف مشهد متشظٍ يعكس ارتباك هذه الكيانات في التعامل مع لعبة انتخابية محكومة مسبقاً بسطوة الكبار.
تحديات المواجهة
مختصون يربطون هذا الارتباك بغياب الهوية الواضحة والبرنامج المتماسك، ما يجعل المشاركة بالنسبة لبعضها أقرب إلى تسجيل حضور رمزي من أن تكون منافسة حقيقية. الخلخالي لا يقف عند هذا الحد، إذ يؤكد أن "حصر المنافسة الانتخابية بيد الأحزاب الكبيرة غير صحيح"، مشيراً إلى وجود قوى تأسست خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية.
التحديات المستقبلية
لكي تُفهم المعضلة أكثر، لا بد من العودة إلى ما بعد 2003، حين تحولت العملية السياسية العراقية إلى حقل خصب لتكاثر الأحزاب. اليوم وصل العدد إلى أكثر من 340 حزباً، أي أكثر من عدد مقاعد البرلمان نفسه، في مفارقة تكشف كيف تحولت الديمقراطية إلى واجهة تتكدس فيها الشعارات من دون أن تعكس بالضرورة تعددية حقيقية.
مستقبل الأحزاب الناشئة
مراقبون يرون أن الأحزاب الناشئة كثيراً ما استُخدمت كأدوات لتشتيت الأصوات أو تجميل المشهد، فيما عجزت الكيانات المستقلة الصغيرة عن بناء قواعد اجتماعية مستقرة أو فرض خطاب بديل. في النجف بالذات، تبدو الصورة أكثر درامية، حيث ما زالت تشهد محاولات ولادة أحزاب جديدة من رحم الغضب الشعبي.
السؤال المُفتوح
السؤال هنا: هل ستنجح هذه الكيانات في كسر السقف الحديدي الذي تفرضه الأحزاب الكبرى، أم أن حضورها سيظل مجرد تجميل لديمقراطية مقيدة؟ الإجابة ليست نهائية، بل مرهونة بقدرة الناشئة على تحويل حضورها الرمزي إلى مشروع سياسي حقيقي.

