العلمانية في العراق: معضلة لم تُحسم بعد
يطلّ سؤال العلمانية في مشهد سياسي عراقي متشابك، بوصفه معضلة لم تُحسم بعد. فبينما نشأت العلمانية في بيئات أوروبية دينية رهبانية قائمة على الماورائيات والخرافة، لتفصل الغيب عن الدولة وتضع العلم في قلب الإدارة، فإنها في العراق تبدو نسخة مشوهة، أقرب إلى حالة عداء سافر ضد الدين والمتدينين.
تعريف العلمانية
يقول الباحث في النظرية السياسية الدكتور محمد أبو النواعير إن البداية الحقيقية للنقاش يجب أن تبدأ بتعريف ما المقصود بالعلمانية، وما يُمارس في العراق تحت هذا العنوان. يdefines أبو النواعير العلمانية بأنها فصل الفكر الديني الغيبي الماورائي عن مفاصل وحيثيات ومرتكزات إدارة أي مشروع دنيوي بحت، ومنها إدارة الدولة.
العلمانية في العراق
ينتهي تعريف أبو النواعير إلى نتيجة صادمة: ما لدينا في العراق ليس علمانية، بل "عداء سافر وسعار محتقن ضد كل ما يتعلق بالدين والمتدينين، مغلف بدعوى العلمانية". ويضيف موضحاً أن من يرفعون هذا الشعار في الساحة العراقية ليسوا سوى "شلة من منحرفي الأخلاق والمعادين عداء شديد وجنوني ضد كل ما يتعلق بالدين".
تجارب الحكم العراقي الحديث
يستحضر الباحث تجارب الحكم العراقي الحديث، وآخرها حزب البعث، التي رفعت شعار العلمانية وفصل الدين عن الدولة، لكنها انتهت إلى "حمامات دماء وقتل وسجون وتغييب وتهجير ومحاربة لكل أشكال التدين".
جدوى الدعوة للعلمانية
يفتح الربط بين التجارب التاريخية والفكرة النظرية الباب أمام سؤال آخر: ما جدوى الدعوة للعلمانية في بلد مثل العراق اليوم؟ يجيب أبو النواعير قائلاً: "الدعوة للعلمانية في بلد كالعراق اليوم، المحكوم بنظام ديمقراطي نوعاً ما، والمستند إلى دستور في أغلبه مدني لا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، ستكون دعوة فارغة في شكلها ومضمونها.
الشباب في السياسة
أما النقطة الثانية التي يتوقف عندها أبو النواعير فهي الشباب. وهنا ينتقل ليقول: "معلوم لدينا أن كلمة شباب تطلق على فئة عمرية محددة بين 17 و30 عاماً. نحن نتحدث عن فئة صغيرة نسبياً لتحميلها مسؤوليات كبيرة.
تحذير من الكوارث
هذا التحذير يلتقي – بحسب محللين – مع تجارب عالمية عديدة، حيث لم يُعهد أن تقاد الدول الكبرى من قبل أعمار صغيرة، بل أُنيطت المسؤولية بأكثر الناس خبرة وحكمة. الجمع بين "العلمانية المشوهة" وبين "زج صغار السن في السياسة"، كما يحذر أبو النواعير، يقود في نظره إلى "كوارث كبيرة، تزيد في خراب البلد، وتزيد في الاحتقان الداخلي، وتقود إلى فوضى واقتتال كبيرين، تكون نتيجتها تسيد دكتاتوريات دموية مستقبلية جديدة، تعيدنا إلى المربع الأول".
الخلاصة
في النجف، ومع ما تحمله من ثقل ديني واجتماعي، فإن أي دعوات لولادة أحزاب علمانية شبابية ستصطدم أولاً بالبنية الاجتماعية الرافضة لما يُنظر إليه كعداء للدين، وثانياً بخبرة التاريخ العراقي نفسه. ويختم أبو النواعير بقوله: "الحل من وجهة نظري هو أن يكون الدين حاضراً في الفعل السياسي كمراقب وموجه للسياسي، لا أن يكون حاكماً، ولا أن يكون مهملاً. بل يبقى حضوره الاعتباري والجماهيري القوي، كبوصلة تصحح الانحرافات، وكصوت عالٍ يزأر بوجه التعديات والإخفاقات والألاعيب السياسية".

