عُين مؤخراً السيد ميغيل أنخيل موراتينوس مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا، وذكر بيان صادر عن مكتب المتحدث باسم الأمين العام أن موراتينوس سيواصل القيام بدوره الحالي بوصفه ممثلاً سامياً لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن تولي هذا الدور المزدوج يهدف إلى تحسين القدرات والموارد الحالية ودمج المهام الناشئة عن الولاية الجديدة في منصب قائم.
ومعروف عن موراتينوس دفاعه المستميت عن تحالف الحضارات وعمله بشكل وثيق مع الأمم المتحدة خلال مسيرته الدبلوماسية في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، لا سيما في أثناء تولي منصب وزير الخارجية والتعاون في إسبانيا (2004 – 2010)، حيث تولت بلاده رئاسة مجلس الأمن ورئاسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا ومجلس الاتحاد الأوروبي؛ كما لنا شرف العمل معه في إطار كرسي الأمم المتحدة لتحالف الحضارات الذي نترأسه، حيث ننطلق جميعاً من القناعة بأن النظام العالمي يعيش أسوأ أيامه، ويبقى الحوار الحضاري مع ذلك هو الملاذ لإصلاح ما اعوج في المسيرة الحضارية الإنسانية، وهو الذي يقوم على العقلانية وعلى مسايرة الواقع، ويقوم على اجتثاث مسببات الكره من جذوره… فحين تتأصل شجرته في النفوس، وتشمخ فروعه في آفاق حياة البشر، وتأنس أرواحهم في ظلالها الوارفة، يومئذ تبدأ المجتمعات بجني ثمراته، وإذّاك تكون قادرة على بلورة قيم ومبادئ وأخلاقيات ووسائل وضوابط ميثاق بشري راسخ، يكون منطلقاً صلباً، وسبيلاً آمناً لمسيرة بشرية راشدة.
وهذا التعيين الأخير وفي هذا الوقت خاصة ينطلق من القناعة بأن على الأمم المتحدة وضع خطة لمكافحة الإسلاموفوبيا بهدف كبح جماح تصاعد الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. وهناك ترسانة من الميكانزمات القانونية الدولية التي يمكن أن يعتمد عليها موراتينوس في عمله، وعلى رأسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صودق عليه في يوليو (تموز) 2023 ضد حرق نسخ القرآن الكريم، وخطاب الكراهية… وكانت قد شهدت عملية اعتماد هذا القرار محاولة الاتحاد الأوروبي حذف الإشارة إلى الفقرة الثالثة عشرة من القرار؛ وتنص تلك الفقرة على أن مشروع القرار «يستنكر بشدة جميع أعمال العنف ضد الأشخاص على أساس دينهم أو معتقدهم، وكذلك أي أعمال من هذا القبيل ضد رموزهم الدينية أو كتبهم المقدسة أو منازلهم أو أعمالهم أو ممتلكاتهم أو مدارسهم أو مراكزهم الثقافية أو أماكن العبادة، فضلاً عن جميع الهجمات على الأماكن الدينية والمواقع والمزارات التي تنتهك القانون الدولي». وقالت المتحدثة باسم رئيس الجمعية العامة آنذاك بولينا كوبياك إن وفداً أوروبياً طالب بحذف عبارة «التي تنتهك القانون الدولي» من مشروع القرار، لكن طلبهم رُفِض…
وهذا التوجه، وهو توجه نحو القانون الدولي لتكريس مناهضة خطاب الكراهية، هو الحل الأمثل والوحيد لتثبيت البيت المجتمعي المشترك والأسرة الإنسانية الواحدة بدلاً من الخطابات الفضفاضة التي لا تسمن ولا تغني من جوع… ويمكن أن نستحضر هنا مسار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – وهو وثيقة تاريخية مهمة في تاريخ حقوق الإنسان – الذي صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم؛ واعتمدته الجمعية في باريس في 10 ديسمبر (كانون الأول) 1948 بموجب القرار 217 ألفاً بوصفه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافة… واليوم لا يخلو أي دستور من دساتير دول العالم من أن يشير في ديباجته أو في أحد بنوده إلى هذا الإعلان، كما أن فصول تلكم الدساتير تتبنى أهم محدداته.
كما أن هاته القرارات وهاته التعيينات الأممية ستبقى مبتورة إذا لم تصاحبها دبلوماسية دولية محكمة، بخاصة من الدول العربية والإسلامية لتكون نتائجها مضمونة؛ ومنذ تقريباً عقد من الزمن، نادينا مع آخرين في إطار منتديات فاس التي نظمناها حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي، بضرورة إيجاد ميكانزمات قانونية وجهوية ودولية تجرم ازدراء الأديان، وكانت بعض الدول ترى في مثل هاته التوصية أنها تشكل خطراً على الحريات العامة وحقوق الإنسان التي تدعو إليها؛ وهذا الانتقاد هو طبعاً مخالف للحوار العالمي الحقيقي!!! ولكن ما هذا الحوار؟ إنه الحوار المحايد، المحايد دينياً، والمحايد ثقافياً، والمحايد سياسياً، والمحايد اقتصادياً، والمحايد عرقياً، والمحايد جنسياً… نريد حوار الإنسان للإنسان وفق قيم محايدة، بعيداً عن خصوصيات الفهم والاجتهاد والتأويل للمنطلقات الربانية الإنسانية الجامعة.
لا نريد حواراً لصالح دين ما على حساب دين آخر أو لتنتصر ثقافة بعينها على ثقافة أخرى… نريد حواراً ينتظم به ومعه التنوع البشري بكل أشكاله ومصالحه، نريد حواراً تنتظم به المفاهيم المشتركة، وتتوحد معه الغايات المشتركة، ويصان به المصير الإنساني المشترك.