تتميز مجتمعات المعرفة أن المعرفة تشكل أهم المكونات التي يتضمنها أي عمل أو نشاط، وخاصة فيما يتصل بالاقتصاد والمجتمع والثقافة، وكافة الأنشطة الأخرى التي أصبحت معتمدة على توافر كم كبير من المعرفة والمعلومات، ويتسم مجتمع المعرفة أو اقتصاد المعرفة بكون المعرفة لديه من أهم المنتجات أو المواد الخام. وليست مجتمعات المعرفة أمرا حديثا، الأمر الذي جد حديثا هو أنه:
بفضل التكنولوجيا الحديثة، لم يعد ضروريا التقيد بالتواجد في نفس المكان الجغرافي حيث تسمح التكنولوجيا المتاحة حاليا المزيد والمزيد من الإمكانيات لتقاسم المعرفة وحفظها واستعادتها، وأصبحت المعرفة من أهم مكونات رأس المال في العصر الحالي، وأصبح تقدم أي مجتمع مرتبطا أساسا بالقدرة على استخدامها؛
فقد أدى عدم توزيع وإتاحة وتقاسم المعرفة بشكل متساو إلى إعاقة التنمية.
وتدرك مجتمعات المعرفة أهمية وجود المعرفة وبنائها وتقاسمها وتوزيعها بشكل ملائم من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتواجه صناعة المعرفة في الوطن العربي تحديات عديدة في نقل المعرفة وإنتاجها وتطبيقها في مجالات مختلفة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتتطلب إصلاح التعليم، دعم الابتكار، الاستثمار في البحث والتطوير، توفير بيئة محفزة للعاملين في هذا المجال، وتعزيز التعاون بين المؤسسات المختلفة، خاصة بين القطاعين الحكومي والخاص، لمواجهة تحديات مثل ضعف البنية التحتية للاتصالات ونقص القدرة على مواكبة الثورة التكنولوجية.
مما يتطلب تعزيز الشراكات:
وتشجيع الشراكة بين الجامعات والمراكز البحثية والقطاع الخاص لربط المعرفة بالإنتاج.
وتغيير الذهنية نحو
إحداث تغيير جذري في العقلية السائدة حول أهمية المعرفة والابتكار والبحث العلمي.
ودمج المعرفة كركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وهو ما يستدعي دور الإعلام والثقافة في دعم صناعة المعرفة .
ويحتاج بناء مجتمع المعرفة الي العمل على إبراز أهمية ودور الثقافة، بمختلف تجلياتها، واعتبارها ضرورة أساسية وملحة في سبيل بناء مجتمع المعرفة على اسس متينة ومحصنة ضد عمليات التشويه والتزييف والتفاهة والتسويق الاستهلاكي التي تهيمن في المجتمعات العربية.
واستحضار الأبعاد القيمية والثقافية المرتكزة على مبادئ المعرفة والوعي، والمحفزة على الإبداع والابتكار، مع إفساح المجال للمثقفين العرب المخلصين والمؤمنين بقضايا المعرفة والتجديد، بالإضافة إلى الاهتمام بدور وفعالية الشباب العربي من خلال احتضانهم وتشجيعهم قصد إبراز طاقاتهم ومواهبهم والمساهمة في بناء مجتمع معرفي عربي.
واكتساب المهارات الرقمية والتقنيات الحديثة والابداع في الحث على مجالات الاختراعات وتصنيع البرامج، فضلاً عن تقديم برامج توعوية مخططة ومتنوعة ومستمرة تسهم في تحقيق الاستخدام الإيجابي والآمن لشبكة الإنترنت والتقنيات الرقمية في المجتمعات العربية.
وهنا يأتي أهمية دعوة وسائل الاعلام العربية إلى ضرورة الاهتمام بتقديم أبعاد مجتمع المعرفة المختلفة من أجل تعزيز أهداف التنمية الانسانية وذلك من خلال استخدام كافة الوسائط الإعلامية والاستفادة من تكنولوجيا الاتصال الحديث وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحقيق ذلك.
ودعوة مؤسسات التأهيل الإعلامي العربية إلى تطبيق مناهج ومقررات التربية الاعلامية والتربية الرقمية في كافة مراحل التعليم من آجل رفع مستوي الوعي للمواطن العربي بمهارات إدارة المعلومات والمعرفة من خلال استخدام رشيد لها بما يسمح بالاستفادة منها.
والعمل على إنتاج إعلامي يساهم في تكوين حالة ذهنية عربية بإعمال العقل وترتيب المعلومات والتفكير كأسلوب حياة.
إن ملامح هذا النموذج المعرفي العربي يحتاج الي مزيد من الحوار حوله وهنا أطرح دعوة الي تشكيل مجموعات حوار متخصصة في مجتمعاتنا العربية لتعزيز التبادل العلمي والآراء والنقاشات البنائية في مختلف المجالات والأبعاد ومنها مجال الإعلام والاتصال تسعى إلى طرح أبعاد النموذج وصولا إلى الترابط العربي والعمل على إنتاج محتويات رقمية للقضايا العربية تسهم في تعزيز وعي المجتمع العربي بمجتمع المعرفة وذلك في ضوء قوانين وتشريعات تؤسس لسيادة أحكام القانون في ظل مجتمع المعرفة.
والتأكيد على ضرورة أن لا تكون الأبحاث والدراسات حبيسة أدراج، بل أن ترى النور من توزيعها على الجهات المعنية والجامعات ومتخذي القرار من أجل ان يحدث هذا الربط بين المؤسسات اﻻكاديمية وخدمة المحيط المجتمعي من اجل بناء مجتمع المعرفة الذي أصبح ضرورة واجبة لمن يريد ان يستمر في مقعده في الخريطة العالمية بعد أن تبين أن المعرفة أصبحت هي المورد الرئيسي للاقتصاديات الجديدة، التي انبتقت من ثورة المعلومات، والشبكات الرقمية والثورة الإعلامية بمعنى أن المعرفة باتت هي العامل الرئيس لإحداث النمو وتغيير نوعية الحياة نحو الأفضل.
واستخدام صحافة الخدمات والحلول والبيانات للتحليل والتقييم والفهم للمساعدة في تشكيل الوعي وتفسير الأحداث والوقائع المتصلة بالتنمية. تكثيف الحملات الإعلامية لرفع الوعي المجتمعى بقضايا التنمية
وترتبط صناعة الإعلام وصناعة المعرفة ترابطًا وثيقًا؛ حيث يُعد الإعلام ناقلًا أساسيًا للمعرفة، ويساهم في تشكيل الرأي العام، بينما أصبح الإعلام الرقمي، بما له من تأثير واسع، محركًا رئيسيًا في بناء اقتصاد المعرفة من خلال تسهيل نشر المعلومات وإنشاء تفاعل مباشر مع الجمهور. ومع ذلك، تواجه هذه العلاقة تحديات تتعلق بالنزعة التجارية وتراجع الاستقلالية، مما يستدعي تطوير الأساليب والممارسات الإعلامية لدعم مجتمعات المعرفة بشكل فعال، فالإعلام كرافد لصناعة المعرفة يعمل كنافذة على العالم، حيث ينقل المعرفة والثقافة والأخبار، مما يساعد في بناء الوعي العام وتشكيل الرأي العام لدى الأفراد والمجتمعات.
ويمثل الإعلام الرقمي، بما فيه من وسائل تواصل اجتماعي ومنصات إخبارية إلكترونية، جزءًا لا يتجزأ من اقتصاد المعرفة، ويتطلب دعم مجتمعات المعرفة تحولًا حقيقيًا في صناعة الإعلام، وليس مجرد تطوير شكلي، حيث يُعد الاستثمار في الإعلام الجديد أمرًا ضروريًا لدعم اقتصاد المعرفة، وذلك لضمان بناء قدرات عربية قادرة على قيادة هذا القطاع المتنامي.
وكل هذه الملاحظات السابقة تعتبر ملامح لخارطة طريق إعلامية وثقافية عربية هامة في كيف يمكن للإعلام العربي أن يدعم صناعة نموذج عربي لمجتمع المعرفة، في وقت بات من يملك فيه المعرفة هو من يملك النفوذ والقوة والتأثير علي الساحة الدولية، بل ويحفظ لمجتمعه الأمن والأمان، ويملك أدوات حمايته والنهوض به نحو تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة.