تحول في سلوكيات الاستهلاك: الدفع الشهري ضد الشراء الواحد
دفع التحول في سلوكيات الاستهلاك خبراء الاقتصاد إلى طرح تساؤلات مهمة حول سبب تفضيل الناس اليوم للدفع الشهري بدلاً من الشراء مرة واحدة، وهل يمثل ذلك مرونة اقتصادية أم عبئًا طويل الأمد على ميزانية الأسر.
مرونة لا التزام
يرى الدكتور أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن الجيل الجديد من المستهلكين أصبح يبحث عن المرونة أكثر من الامتلاك، حيث لم تعد فكرة شراء سيارة أو مكتبة أفلام جذابة كما كانت من قبل، بل أصبح الحصول على الخدمة وقت الحاجة هو الأساس. يضيف غنيم أن الاشتراكات تمنح المستهلك حرية الدخول والخروج دون استثمار كبير مقدما، وهذا يتماشى مع نمط الحياة السريع في العصر الرقمي.
تأثير على قطاعات الاقتصاد
يشير غنيم إلى أن هذا التحول ليس مجرد تغيير في سلوك استهلاكي، بل يعكس فلسفة اقتصادية جديدة لدى الأجيال الشابة، حيث لم يعد الامتلاك رمزًا للاستقرار أو المكانة الاجتماعية كما كان في الماضي، بل أصبحت المرونة في الاستخدام وتجربة خيارات متعددة أكثر قيمة. يرى غنيم أيضًا أن انتشار ثقافة "التجربة" على حساب "الاقتناء" قد يعيد تشكيل قطاعات اقتصادية بأكملها، حيث بات المستهلك يقارن بين الخدمات بشكل دوري، ويستطيع الانتقال من منصة لأخرى بسهولة، مما يجبر الشركات على تحسين عروضها باستمرار للحفاظ على ولاء العملاء.
الشركات تجد فرصتها
من جانبها، ترى الشركات في هذا النموذج فرصة ذهبية، حيث يتحول العميل إلى مصدر دخل مستمر. يُشير محمد حجازي، مسؤول تسويق بإحدى شركات السيارات في مصر، إلى أن الخدمات القائمة على الاشتراك الشهري بدأت تدخل سوق السيارات مؤخرًا، حيث يمكن للعميل الاشتراك ودفع مبلغ ثابت شهريًا يغطي الاستعمال والصيانة والتأمين.
المستهلك بين الراحة والاستنزاف
ورغم هذه الإيجابيات، هناك من يرى أن الأمر قد يتحول إلى عبء مالي، حيث توضح داليا جودة، من جهاز حماية المستهلك، أن كثرة الاشتراكات الشهرية قد تستنزف دخل المستهلك دون أن يشعر، حيث يدفع بعض المستهلكين لخدمات متعددة مثل نتفلكس وسبوتيفاي وتطبيقات رياضية وخدمات إنترنت وألعاب، وفي النهاية يكتشف أن ما يدفع شهريًا يعادل أقساطًا ثابتة طويلة الأجل.
مستقبل اقتصاد الاشتراكات
تشير تقارير اقتصادية إلى أن حجم سوق الخدمات القائمة على الاشتراك عالميًا سيتضاعف في السنوات المقبلة، خصوصًا مع دخول مجالات جديدة مثل الملابس والأجهزة المنزلية وحتى الرعاية الصحية. يرى الخبراء أن هذا النموذج لن يختفي، لكنه بحاجة إلى تنظيم أكبر لحماية المستهلكين وضمان عدم تحول الراحة إلى استغلال.

