تقنية جديدة لتوصيل الأدوية
ابتكر باحثون أميركيون نظاماً جديداً لتوصيل الأدوية داخل الجسم يعتمد على جزيئات نانوية حساسة للموجات فوق الصوتية. وأفادت نتائج الدراسة التي نشرتها دورية "نيتشر: نانوتكنولوجي" بأن النظام قادر على إطلاق الدواء في موضع محدد داخل الجسم بدقة تصل إلى بضع مليمترات فقط.
الآثار الجانبية للأدوية
وربما ينجح هذا الابتكار في تقليل الآثار الجانبية الخطيرة المرتبطة بالعديد من الأدوية، من أدوية الاكتئاب ومسكنات الألم إلى أدوية السرطان، من خلال ضمان وصول العقار إلى هدفه مباشرة دون التأثير على الأنسجة السليمة. ولطالما شكّلت الآثار الجانبية للأدوية، من مسكنات الألم التي تسبب الغثيان، إلى أدوية الاكتئاب، مروراً بالعلاج الكيماوي الذي يضر بالخلايا السليمة، مشكلة مزمنة في عالم الطب.
الفكرة الجديدة
وتعتمد الفكرة الجديدة على تغليف الدواء داخل جزيئات نانوية تُسمى ليبوزومات وهي مشابهة لتلك التي استُخدمت لتغليف جزيئات الحمض النووي في اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. وتجوب هذه الجزيئات مجرى الدم بشكل طبيعي، لكنها لا تُطلق الدواء إلا عند تعريضها لموجات فوق صوتية مركزة من خارج الجسم. وبهذا يمكن تحرير الدواء في منطقة محددة بدقة تصل إلى بضع مليمترات فقط، سواء في الدماغ أو الأعصاب أو الأنسجة المستهدفة.
المفتاح الذي جعل النظام عملياً
ولم يكن المفتاح الذي جعل النظام عملياً هذه المرة مادة معقدة أو نادرة، بل القليل من السكر، إذ اكتشف الباحثون في جامعة ستانفورد أن إضافة محلول سكروز بتركيز 5% داخل الجزيئات يجعلها مستقرة داخل الجسم وقابلة للاستجابة للموجات فوق الصوتية.
تجارب على الفئران
ونجح فريق البحث الذي يقوده راج إيرن، أستاذ الأشعة المساعد، من خلال تجارب على الفئران، في توصيل عقار الكيتامين إلى مناطق محددة من الدماغ والذي سكن الأعصاب في الأطراف. وعندما حقن الباحثون الفئران بالكيتامين الحر غير المغلف، وُجد الدواء في معظم أعضاء الجسم كالدماغ، والكبد، والكلى، والطحال، والقلب والرئتين. لكن مع الكيتامين المغلف بالجزيئات النانوية، انخفض تركيز الدواء بأكثر من النصف في كل هذه الأعضاء.
دقة الاستهداف
وعند توجيه موجات فوق صوتية لمنطقة معينة من الدماغ، ارتفع تركيز الكيتامين إلى 3 أضعاف مقارنة ببقية المناطق. وسمحت الدقة في الاستهداف بتقليل السلوك القلق لدى الفئران عندما أطلق الكيتامين في منطقة القشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن التحكم في الحالات الانفعالية؛ وهو ما يفتح الباب لاستخدام الكيتامين في علاج الاكتئاب والاضطرابات النفسية دون التسبب في آثاره الانفصالية غير المرغوبة.
تطبيق آخر للتقنية
وجرب الباحثون استخدام مسكن موضعي -روبيفاكاين- لتخدير العصب الوركي. وبعد جلسة موجات فوق صوتية قصيرة امتدت لنحو 2.5 دقيقة أصبحت ساق واحدة من الفأر غير حساسة للألم لمدة ساعة كاملة تقريباً، دون الحاجة إلى حقن مباشر في موضع الألم؛ وتعنى هذه الميزة أن المرضى ربما يحصلون على تسكين موضعي دون وخز مؤلم أو تدخل جراحي.
محاولات سابقة
وتعود محاولات الفريق مع توصيل الأدوية بالموجات فوق الصوتية إلى عام 2018، حين استخدم تركيبات أكثر تعقيداً لإيصال مواد كيميائية إلى الدماغ، لكن النسخ السابقة كانت غير عملية؛ وتتطلب مركبات كيميائية نادرة، وتخزيناً في درجات حرارة شديدة الانخفاض، وكمية محدودة من الدوق في الجزيئات.
مستقبل التقنية
ويستعد فريق البحث لتجربة سريرية أولى على البشر، تستهدف استخدام الكيتامين لتخفيف التجارب الانفعالية للألم المزمن، ويقول إيرن إن هذه النسخة "صالحة سريرياً" أكثر بكثير من المحاولات السابقة "فهذه المرة، القليل من السكر جعل الأمر ممكناً.. إنها صيغة قابلة للتطبيق بسهولة، وقد تفتح الطريق لعصر جديد من الأدوية الموجهة بدقة." إذا أثبتت التقنية نجاحها في التجارب البشرية، فربما تغيّر جذرياً الطريقة التي تُعطى بها الأدوية: أدوية أكثر أماناً وفاعلية، بآثار جانبية أقل، عبر الاستفادة من جزيئات نانوية وموجات فوق صوتية غير جراحية، وربما يكون العلاج المستقبلي الذي يحل محل الحقن المؤلمة والعلاجات السامة، قد ولد فعلاً في مختبرات ستانفورد، بفضل ملعقة صغيرة من السكر.