تحصين المناعة الفكرية، لا ينفك عن تعريف للتراث الثقافي الزاخر بمتلون القيم المجتمعية الحميدة، التي تبناها المجتمع، وحافظ عليها، وبنى في خضمها حضارته المتجذرة وتاريخه المجيد؛ ومن ثم يتوجب علينا أن نهتم بتنمية الجانب الثقافي لدى شبابنا كي يدرك مخاطر الغزو الثقافي، وصور الهيمنة التي تحاول أن تفرضها دول بعينها. لقد بات تعزيز الهوية الوطنية مقومًا رئيسًا لتحقيق ماهية الأمن والأمان والاستقرار المجتمعي ومنعة ضد محاولات الغزو الفكري.
الوعي الاقتصادي يعد أحد أهم روافد المناعة الفكرية دون مواربة؛ حيث إن الاقتصاد العالمي الآن أضحى يعاني من مشكلات عضال، يأتي في مقدمتها ارتفاع مستويات التضخم، والبطالة، وارتفاع الأسعار الجنوني، الذي لم يعد يتناسب مع دخول الأفراد والمجتمعات، وعلى هذا الأساس تحاول الجماعات المغرضة، أن تراهن على تحمل الشعوب لصور التحديات والأزمات؛ ومن ثم تعمل بكل طاقتها على بث اليأس والإحباط، داخل المجتمعات كي تخرج عن النظام العام، وتحدث ارتباكًا يصعب استيعابه، كما تزرع الأغلال والأحقاد بين فئات المجتمع فتزداد الفتن والصراعات وتسقط الأوطان في نزاعات لا تنتهي، وهنا ندرك المخاطر جراء غياب المناعة الفكرية لهذا الجانب الذي يستغله أصحاب القلوب المريضة الذين لا يعبئون بماهية بقاء الأوطان واستقرارها.
مقومات المناعة الفكرية لدينا لا تنفك عن وعي في إطاره المتكامل، الذي يبدأ بمعرفة ويمر بممارسة ويعضد بوجدان يتضمن العاطفة الجياشة والأحاسيس التي تجعل الفرد مدركًا لما يدور حوله وملمًا باحتياجات وقضايا مجتمعه ويحاول أن يستثير ملكاته الفكرية كي يتوصل إلى أطروحات بناءة تسهم في تدشين مزيد من الحلول التي يختار من بينها ما يتناسب مع كافة المتغيرات، وهذا يسوقنا إلى أمر غاية في الأهمية؛ حيث المرونة التي ينبغي أن يتصف بها الإنسان في تعاطيه مع مجريات الأحداث؛ إذ يجب أن يكون ذهنه مهيأ للتعامل مع المواقف وفق طبيعة مدخلاتها، وهذا يعني ألا يكون جامد الفكر متحجر الرأي؛ كي يحقق نتائج ملموسة في ميدانه ومجاله.
حينما ندرب الفرد على أن يستوعب الآخرين ويستطيع أن يجري معهم حوارًا بناءً وحديثًا هادفًا ويخرج بنتائج يعول عليها؛ فإن هذا يعبر عن براعة في توظيف الأفكار، بل، يعد من مقومات الاعتدال، التي يتجاوز فيها حب الذات، ويصل إلى القناعة بأن الشراكة الفكرية والتعاون من أجل تحقيق غايات كبرى أفضل من التقوقع مع النفس، وهنا نأمل أن يزداد الاستيعاب الثقافي؛ ليدرك أن تبادل الخبرات في إطار منضبط يؤدي إلى صقل ما لديه من خبرات نوعية، وأن الاندماج مع المجتمع يجعله يتجاوز المشكلات والتحديات التي قد تعوق تقدمه تجاه مسيرة العطاء، وعلى كل حال يؤكد ذلك على ماهية الإيجابية التي تقوي المناعة الفكرية لديه.
إذا ما أمتلك الإنسان المناعة الفكرية؛ فإنه سوف يصبح قادر على قراءة المستقبل ويتفهم مجريات الأحداث؛ لأنه يحوز المعرفة الصحيحة، ولديه كم الخبرات التي تساعده في الكشف عن الأفكار المغلوطة، بل، يقاوم أي محاولة تستهدف تشتيت أفكاره أو تحدو به لمنزلقات غير سوية؛ حيث يستطيع أن يقوم ذاته ويعدل من سلوكياته بصورة تلقائية فيما نسميه بالتصحيح الذاتي؛ ومن ثم يصبح عضوًا صالحًا في المجتمع، ويعد أداة بناء في أي مجال نوعي ينتمي إليه؛ كونه يمتلك سمات حسنة ومقدرة على المواجهة التي تشكل لديه مع مرور الوقت صلابة مدعومة بالإيمان تسهم في مقدرته على تحمل المسئولية بشكل مستدام.
علينا أن نعي جيدًا بأن الطبيعة الإنسانية تستهويها دومًا جدة الأفكار؛ ومن ثم تسارع وتهرول نحوها لتتلقف منها قدر المستطاع، وتستقطبها عادات وتقاليد تلبي جموح النفس، وهنا يتوجب علينا أن نوفر الحماية الطبيعية للفرد من خلال إعمال مقومات المناعة الفكرية عبر روافد لا ينضب عطاؤها؛ ليصبح الإنسان على جاهزية في أن يقاوم كافة صور الانحراف الفكري الذي يمهد قطعًا لمتلون انحرافات لا حصر لها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.