مخاوف من تداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق
الفراغ الأمني والتهديدات الإرهابية
مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، تتصاعد التحذيرات من تداعيات محتملة قد تُعيد البلاد إلى مشهد معقد أمنيا وسياسيا واقتصاديا. يرى الخبير في الشأن الاستراتيجي رياض الوحيلي أن أبرز المخاوف تتمثل أولاً في الفراغ الأمني الذي قد ينشأ نتيجة غياب الدعم الفني والاستخباري للقوات العراقية في مواجهة الإرهاب، خصوصاً مع وجود جيوب نائمة لتنظيم داعش.
تجربة 2011 وتكرار السيناريو
تجربة 2011 لا تزال ماثلة في الأذهان، حين أدى الانسحاب الأمريكي المبكر إلى صعود تنظيم داعش وسيطرته على ثلث العراق بعد عامين فقط. ومع استمرار نشاط الخلايا النائمة للتنظيم في مناطق متفرقة، يُخشى أن يتكرر السيناريو ما لم تُعزز القدرات العراقية في مجال الاستطلاع الجوي والاستخبارات الفنية التي يعتمد العراق فيها بشكل كبير على واشنطن والتحالف الدولي.
تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة
المخاوف الثانية تتعلق باحتمال تصاعد نفوذ بعض الجماعات المسلحة على حساب مؤسسات الدولة، مما يهدد هيبة القانون وسيادة الدولة. مراقبون يرون أن أي فراغ أمني سيُستثمر من قبل الفصائل المسلحة لتعزيز حضورها الميداني والسياسي، الأمر الذي قد يضعف سلطة الحكومة المركزية.
التأثيرات الإقليمية المباشرة
الملف الثالث يتمثل في التأثيرات الإقليمية المباشرة، إذ قد تسعى أطراف إقليمية لملء الفراغ بما ينعكس سلباً على استقرار العراق ويجعله ساحة صراع بالوكالة. الانسحاب الأمريكي قد يعيد رسم خطوط النفوذ في المنطقة، خصوصا مع وجود لاعبين إقليميين مثل إيران وتركيا ودول الخليج.
التأثيرات الاقتصادية
الملف الرابع يتعلق بالجانب الاقتصادي، خاصة في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية وملف الطاقة، حيث يشكل الاستقرار الأمني عاملاً أساسياً لجذب الشركات العالمية. الاستثمارات في قطاعات النفط والطاقة تعتمد بدرجة كبيرة على الضمانات الأمنية. أي تراجع في هذا الجانب سيجعل العراق أقل جذبًا للشركات العالمية، ما يؤثر على خطط التنمية الاقتصادية.
الانعكاسات السياسية الداخلية
المخاوف الخامسة هي الانعكاسات السياسية الداخلية، أبرزها انقسام القوى الوطنية بين مؤيد ومعارض للانسحاب، الأمر الذي قد يزيد من حدة الانقسام السياسي ويضعف وحدة القرار الوطني. الانقسام حول بقاء القوات الأمريكية ليس جديداً، إذ ترافق مع كل حكومة عراقية منذ 2003. اليوم، يُخشى أن يتحوّل إلى أزمة داخلية تعمّق الشرخ بين المكونات الثلاثة الرئيسية: الشيعة، السنة، والكرد.
الحل الشامل
معالجة هذه المخاوف تتطلب رؤية وطنية موحدة تقوم على تعزيز قدرات القوات العراقية، وتحقيق توازن في العلاقات الخارجية، وتقديم المصلحة الوطنية العليا على الحسابات الضيقة. الحل لا يكمن فقط في توقيت الانسحاب أو بقائه، بل في قدرة العراق على صياغة استراتيجية شاملة تحصّن أمنه الداخلي وتوازن موقعه بين القوى الإقليمية والدولية، وإلا فإن ثمن القرارات المتسرعة سيكون مضاعفا.

