غاية ما يؤسفنا أن شائعات المغرضين الخبيثة تستهدف بصورة مباشرة الفت بالبنية المجتمعية، وإفسادها؛ كونها حجر الزاوية، التي تضمن اصطفاف، وتماسك، ولحمة، وتضافر هذا الشعب العظيم، كما أنها المنعة، التي تقيه من شرور الانقسام، والدخول في براثن النزاعات، والصراعات، التي لا تقوض مسيرة الأوطان فقط، بل، تضيعها، وتدخلها في نفق مظلم، لا تخرج منه البتة، وهذا المأرب غير السوي يجهز المجتمع؛ كي يتقبل صور الخلاص بفرط العقد؛ ومن ثم يمارس العدو جوره، دون مقاومة، ويأخذ ما خطط له بسهولة، ويسر؛ فقد صار الخضوع، والخنوع، والاستسلام سيد الموقف.
البنية المجتمعية المصرية تقوم على قيم نبيلة تنسدل منها العادات، وتتفق مع صحيح ممارسات العبادات، وتعززها ميراث الثقافة، الذي يتشرب منه الوجدان معاني الولاء، والانتماء، والوطنية الصادقة الخالصة، التي لا تشوبها شائبة؛ ومن ثم لا يتقبل الفرد، والجماعة كل ما قد يضير بكيان هذا الوطن، بل، يقدم النفس، والدماء دون طلب؛ فالعزة، والكرامة، والنخوة قابعة في الأفئدة، والإقدام، والعطاء من سمات هذا الشعب، الذي قد عاش عزيزًا، ويستمر على الوعد، والعهد إلى أن يرث الله – تعالى – الأرض، ومن عليها.
ما يجعلنا نلملم جراحنا، ونستكمل مسيرتنا، ونقاوم المعتدي، ونتكافل من أجل الخروج من حالة العوز إلى ساحة العزة، هو امتلاكنا لبنية مجتمعية صلبة، يصعب المساس بها، أو محاولة البعث بتركيبتها، أو فكرة تفكيكها، أو حتى إضعافها؛ فهذا الشعب الأبي قد ضرب أمثلة، لا حصر لها في تاريخه القديم، والحديث حيال اصطفافه الوطني الذي أخل موازين الأعداء، وبعثر مخططاتهم؛ لتذهب أدراج الرياح؛ لذا تتعجب من سرعة الرجوع إلى الميدان، ورفع راية الجهاد؛ لتحرير الأرض، والعباد ممن يحاول النيل منهما.
طمأنة القلوب عمادها بنية هذا المجتمع الفولاذية، التي تجعل الجيل تلو الآخر يرى مستقبله نصب عينيه، ويدرك واجباته، ورسالته، التي أختص بها، ويعي أن حب الوطن، والزود عنه شرف، وأمل، وغاية يتمناها الجميع دون استثناء؛ فالعجب من إقدام الشيخ قبل الشاب، ومن السيدات قبل الرجال، ومن أصحاب الأمراض، والسقم قبل الأصحاء؛ ليقدموا العون، والمساندة بكل ما لديهم؛ نصرة، وعشقًا لهذا البلد الأمين، وهذا ما يؤرق العدو في مضجعه، كونه يدرك أن مصر قوية بشعبها قبل كل شيء.
أضحى المساس بالبنية المجتمعية متمحور حول تفتيت اللبنة الأولي، وهي الأسرة، من خلال غرس قيم مستوردة، تحض على النفعية، وحب الذات، وإعلاء المصلحة الخاصة على العامة، ودحض فكرة الإيثار، وهجران طريق الصبر من أجل تحقيق الغاية، إلى الهرولة نحو أيسر الطرق؛ لتكوين الثروات، وجمع المقدرات بغض النظر عن صحة المسار من عدمه، ناهيك عن الأنانية المفرطة، التي تلغي ماهية الأبوة، والأمومة والأخوة، وحقوق الرعاية، التي يكلف بها رب الأسرة؛ فيصبح كل فرد عينه صوب ما يلبي شهواته، ورغباته، ونزواته.
إذا ما تفككت الأسرة، وصدعت روابطها، والجدران التي حوتها، يستحيل على المؤسسة التربوية أن تؤدي دورها كما ينبغي أن يكون؛ فهناك فجوة كبيرة بين النظرية، والواقع المعاش؛ لذا يتم التركيز على صقل المهارات بعيدًا عن تغذية الوجدان بالقيم، التي تحض على التماسك، والترابط بين الأفراد داخل المجتمع، وفي الحقيقة يشكل ذلك خطرًا داهمًا على بنية المجتمع؛ ومن ثم يصعب ضبط سلوكيات منتسبيه في كثير من مناشط الحياة بمختلف تنوعاتها.
تعالوا بنا نعمل سويًا على تعزيز القيم في النفوس؛ كي تقل معدلات الانحراف، وتنحسر الظواهر السلبية كالعنف، وارتكاب الجرائم، التي يند لها الجبين؛ لنضمن بقاء المجتمع في حالة قوية، يستطيع أن يستكمل مسار التنمية الشاملة، ويحقق نهضته المستحقة، دعونا لا نسمح للمشككين أن يضعفوا ثقتنا بمؤسساتنا الوطنية، وقيادتنا الحكيمة، ولا نسمح لهم ببث السموم، والنفوذ داخل بينان هذا الشعب العظيم؛ ومن ثم ندحض بذور الفتن، التي يحاولون غرسها في مجتمعنا.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.