الحلم الإسرائيلي يتوسّع إلى الليطاني وشرق الأردن
في مثل هذه الأيام قبل 20 سنة، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وفكّكت مستوطناتها وأخلت مستوطنيها البالغ عددهم 8800 شخص بالقوة، وأخلت معها أربع مستوطنات أيضاً من شمال الضفة الغربية. إحياء ذكرى هذا الانسحاب، اليوم، في الوقت الذي نرى فيه قطاع غزة الفلسطيني كله مدمراً، يلخص الحكاية. ويبين كم هي الهوة عميقة في روايات اللاعبين ومفاهيمهم، ليس فقط بين اليهود والفلسطينيين. بل أيضاً بين اليهود أنفسهم وكذلك بين الفلسطينيين أنفسهم.
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش يحمل لوحة لمشروع استيطاني خلال مؤتمر صحافي قرب مستوطنة معاليه أدوميم بالضفة يوم الخميس (أ.ب)
في إسرائيل تيار قوي يزداد عدوانية وبطشاً، هو اليوم شريك أساسي في الحكم، ولديه خطة استراتيجية لا لبس في التعبير عنها؛ إذ يقول «ما تحتاج إليه إسرائيل هو هزيمة الوعي والحلم وأمل التحرر عند الفلسطينيين». يقود هذا التيار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي كُلّف في الحكومة أيضاً ملف الاستيطان والضفة الغربية. ولهذا الغرض عُيّن وزيراً ثانياً في وزارة الدفاع، هو الذي يحمل عقيدة فكرية واضحة، زاعماً أن «القول إن الإرهاب نابع من حالة اليأس التي يعيشها الشعب الفلسطيني هو كذب، الإرهاب ينبع من الأمل بإضعافنا وتقويتهم». ولذلك؛ تتطور لديه فكرة، إذا لم تنفع القوة فنستخدم المزيد من القوة.
حلم مسنود
عندما كان المرء يستمع لهذا النوع من الشخصيات الإسرائيلية كان يعتبره أهوج يعيش في الخيال. ولكن، عندما يرى كيف انتقل هو وأمثاله، من موقع ضئيل متطرف على هامش الحياة السياسية إلى موقع الشراكة في الحكم، لأخذ دور مركزي في الحكومة، ويرى كيف تطبق سياسته شيئاً فشيئاً في الحياة الداخلية في إسرائيل، فإن الأمر يستحق القلق.
أيضاً، عندما يرصد المراقب كيف تطوّرت مسيرة هذا التيار داخل الحركة الصهيونية، منذ ذلك القَسَم الذي قطعه الحاخام لبنون عام 2005، عند إخلاء غزة من المستوطنات وحتى اليوم، يجب عليه أن يأخذ هذا التيار بجدية… ويصغي بعناية لمضمون كلماته.
إنه ليس مجرد حلم ليلة صيف، بل حلم مسنود بحكم قوي تمتد جذوره إلى واشنطن، بل إلى البيت الأبيض. وليس مصادفة بتاتاً أن بنيامين نتنياهو بنفسه، صرح بأنه ملتزم بحلم «أرض إسرائيل الكاملة»، خلال مقابلة مع تلفزيون «آي 24»، الثلاثاء الماضية.
اختبار آخر لشارون
قيادة التيار الصهيوني الديني بقيادة لبنون وأمثاله، قرّروا إجراء اختبار آخر لشارون بعد ستة شهور، أي في فبراير (شباط) 2006. وفعلاً أرسلوا شبابهم المتحمس، عبر ما يُعرف باسم «شبيبة التلال»، لإسناد مستوطنة عمونة في منطقة بيت لحم جنوب الضفة الغربية. وكانت المحكمة العليا قد أصدرت أمراً، بناءً على طلب المنظمة الحقوقية اليهودية «يش دين» المكافحة ضد ظلم الفلسطينيين، يقضي بإخلاء هذه المستوطنة. ولقد نفذّت قوات الجيش القرار مستخدمةً قوة بطش شديدة معهم وأصيب نحو 300 منهم بجراح.
موضوع الجيش
فقط عندما بدأت الميليشيات تعتدي على الجيش الإسرائيلي تحرّكت المعارضة في بعض الأعمال والتصريحات الاحتجاجية. واللافت هنا، أن الجيش الإسرائيلي، الذي يُعدّ العمود الفقري لـ«الدولة العميقة»، لا يكتفي بحماية المستوطنين ومشاريعهم، بل يوفر لهم خدمات جليلة وينافق لقيادتهم بشكل مكشوف. وبعد هجوم «حماس» على إسرائيل يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عمي بصر الجيش الإسرائيلي وبصيرته عن رؤية التطورات الآيديولوجية العميقة لليمين، غير آبه للحقيقة أن الحرب التي يديرها في قطاع غزة والضفة الغربية تخدم تلك القوى وأهدافها الاستراتيجية.
«أرض إسرائيل»… كعقيدة قتالية
حكومة نتنياهو الحالية، هي أول حكومة في تاريخ إسرائيل تعتبر حكومة يمين بالكامل… وعملياً، فإنها تحقق الهدف. فمن ناحية، يرأس نتنياهو حكومة «مثالية» في معركته الشخصية ضد المحكمة، التي تحاكمه في قضايا الفساد. فهي أولاً حكومة قوية ثابتة (بدأت بائتلاف من 64 نائباً من مجموع 120 وأصبحت الآن بائتلاف 68 نائباً) لديها أجندة لمحاربة الجهاز القضائي وتقليص صلاحياته وتخويفه.
وثانياً، ضمن الائتلاف توجد الأحزاب الدينية «الحريدية»، التي تريد من هذه الحكومة سن قانون إعفاء الشباب المتدين من الخدمة العسكرية، وتخصيص مخصصات مالية كبيرة لمدارسها ومؤسساتها الدينية الحزبية (الحديث عن أكثر من مليار دولار في السنة). لكن إثر رفض الحكومة الاستجابة لمطالب هذه الأحزاب، انسحبت من الحكومة، لكنها ظلت في الائتلاف لأن نتنياهو يعدها بتحقيق أهدافها.
خطة الحسم
للعلم، لدى هؤلاء خطة جاهزة لذلك، نشرها سموتريتش عام 2017، في الموقع اليميني «هشيلواح»، تحمل اسم «خطة الحسم». لكن المشكلة الكبرى في هذا الشأن، هو أن الجناح الليبرالي المعارض للحكومة، ومعه «الدولة العميقة» في إسرائيل، لا يملك الوعي لخطورة هذا المخطط، لا، بل ينتهج سلوكاً يساعد على تحقيقه. فعندما بادر اليمين المتطرف إلى طرح قرار في الكنيست يقضي برفض إقامة دولة فلسطينية حظي الاقتراح بتأييد 90 نائباً (من مجموع 120)، بينهم قادة المعارضة.
عندما أقدم المستوطنون على توسيع المستوطنات وتعزيزها وتحويل البؤر الاستيطانية المؤقتة مستوطناتٍ رسمية، لم ترفع هذه المعارضة صوتها ضدها. وعندما أطلق اليمين المتطرف ميليشيات مسلحة في الضفة الغربية تعمل على ترحيل الفلسطينيين من عشرات التجمّعات الزراعية في مسافر يطا (قرب مدينة الخليل) وفي شمال غور الأردن، لم تحرك المعارضة ساكناً.
حسب الحاخام لبنون، فإن شرق الأردن أيضاً يجب أن تدخل في نظام الدوائر، وبالتالي… نظام الاستيطان.