جنى الأسنان: الرمزية السحرية للطفولة والبراءة
تاريخ جنية الأسنان
شاعت فكرة جنية الأسنان في الولايات المتحدة في أوائل القرن الـ20، ولكنها تطورت على مدى زمن طويل ومركب من أساطير فلكلورية مختلفة في أوروبا وبخاصة في الثقافات الإسكندنافية والجرمانية. في هذه الثقافات، كان فقدان الأسنان اللبنية مناسبة تحيط به طقوس دفن وحرق خشية أن يعثر عليها ساحر شرير أو شيطان ويستخدمها للسحر أو للسيطرة على الطفل.
الأساطير الشعبية والتأثيرات الثقافية
كان محاربو الفايكنغ يعتقدون أن أسنان الأطفال تجلب الحظ في المعارك، فصنعوا منها تمائم وقلادات. وفي المقابر السلتية والجرمانية القديمة، عثر على أكياس صغيرة من الأسنان قد تكون طلاسم أو قرابين أو حتى أدوات للسحر. في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا كانت شخصية الفأر الصغير بدلاً من جنية الأسنان، وهو الذي يأخذ السن ويترك تحت الوسادة قطعة من المال.
تأثير أدب الجنيات على الثقافة الشعبية
مع شيوع أدب الجنيات في القرنين الـ17 والـ18 تأثرت الحكايات الشعبية بأعمال شكسبير وبخاصة “حلم ليلة منتصف الصيف”. في مسرحيته، قدم ويليام شكسبير جنيات على خلاف ما كانت عليه الأساطير الشعبية في العصور الوسطى، حين كانت الجنيات مرعبة أو خبيثة ومرتبطة بالسحر الشرير. أما في مسرحية شكسبير فجاءت الجنيات بروح مرحة بريئة وكأنهن من عالم الأطفال.
جنى الأسنان في الولايات المتحدة
في الولايات المتحدة يبدو أن اختراع جنية الأسنان بشكلها الحديث ظهر بين 1920 و1950 مع القصص المصورة والإعلانات التجارية وبرامج الراديو، التي بدأت تخاطب الأطفال بقصص أشبه بالأحلام بعد الحرب العالمية الثانية. في النهاية فإن قصة الجنية لم تكن فقط سحرية بل أداة تربوية تخفف من قلق الطفل عند فقدان السن وتحول الألم والدم إلى مكافأة تعزز القيم المالية.
الأساطير والطقوس المختلفة
في بعض المجتمعات الآسيوية تُرمى السن إلى السقف أو تُغرس تحت التراب مع ترديد تعاويذ مثل “خذ سن اللبن، وامنحني سناً دائمة”. وفي بعض مناطق العالم العربي، تُرمى السن نحو الشمس ويقال “يا شمس يا شمس، خذي سن الحمار وأعطني سن الغزال”. في بعض التقاليد الأفريقية، يعتقد أن الأرواح يمكنها استخدام السن لربط روح الطفل إذا لم يتلف.
الجانب المظلم لقصص ساحرات الأسنان
في الأساطير السلافية تدل على مخلوقات تدعى Zubok تسرق أسنان الأطفال لإطعام الأرواح الشريرة. في بعض التقاليد الأفريقية، يعتقد أن الأرواح يمكنها استخدام السن لربط روح الطفل إذا لم يتلف. طقوس الحماية من زوبوك تتضمن بلف السن في قطعة قماش بيضاء، ووضعها تحت الوسادة مع قليل من الرماد أو الملح، وترديد تعاويذ شعبية لطرد الأرواح.
الأسنان في المجتمعات الحديثة
في بعض المناطق البدوية، كان يقال إن السن يجب ألا ترمى في القمامة، بل تُدفن، لأنها تحمل بركة الطفولة. وفي اليمن والسودان، كان هناك تقليد بوضع السن في صدفة بحرية ثم إلقائها في النهر أو البحر، كطقس تطهيري. ثم تحول الأمر في معظم المجتمعات الإنسانية في العصر الحديث، وبخاصة في المجتمعات الغربية والطبقات الوسطى في المدن العربية إلى عملية ترك مبالغ رمزية تحت الوسادة.
علم النفس والتفسيرات الحديثة
أما علم النفس الحديث فقد فسر هذه العملية كطقس عبور من مرحلة الطفولة غير الواعية إلى الوعي بالجسد. وقد أظهرت دراسة من جامعة أكسفورد عام 2006 أن الأطفال الذين يحتفل بسقوط أسنانهم يشعرون بأقل توتر وألم، من أولئك الذين لا يعير والداهم هذا الحدث اهتماماً.
الأسنان والتربية
فقدان السن على رغم أنه حدث بسيط فإنه يلقى اهتماماً في كل حضارة تقريباً، من أقاصي الإسكيمو إلى مجاهل الأمازون، لأنه أول حدث يفقد فيه الطفل جزءاً من جسده من دون أن يستبدل على الفور. وهذه اللحظة تسمى الفراغ الرمزي والزمني، لأنها المرة الأولى التي يكتشف فيها الطفل أن جسده يمكن أن يتغير ويتناقص، ثم يعيد بناء أجزائه الناقصة. حديثاً باتت تعتبر هذه التجربة أول علاقة للطفل مع الاقتصاد الرمزي، أي إنه يأخذ شيئاً من جسده ويبيعه رمزياً مقابل عملة معدنية.