بين الضحك والدهشة
من الممتع دائما الفرجة على هوليوود وهي تسخر من نفسها! منذ أن استقرت صناعة السينما الأكبر في العالم في ثلاثينيات القرن الماضي، وإلى الآن، ظهرت عشرات الأعمال الفنية التي تنتقد وتكشف وتسخر من الجانب الخلفي، المظلم، من الشاشة.
هذا الجانب الذي لا يراه ولا يعلم بوجوده الجمهور عادة، يتضمن التنافس الشرس بين النجوم، تغليب التجارة على الفن، والعلاقات المريبة بالجريمة المنظمة والفساد بأنواعه. ورغم أن كل المهن تخفي جوانبها المظلمة، لكن الجانب المظلم لهوليوود هو الأكثر إثارة للفضول، ربما لأن السينما والدراما وصناعها هم الأكثر شعبية وشهرة وتأثيراً، وربما لأن جانبها المظلم لا يقل جاذبية عن بريقها وأضواءها اللامعة.
سكورسيزي ممثلاً!
من بين العديد من الأعمال التي ظهرت في الآونة الأخيرة حول كواليس صناعة الأفلام والدراما التليفزيونية، فإن مسلسل The Studio من أكثرها صخباً ومبالغة في تقديم صورة كاريكاتيرية، تكاد تكون "جروتسكية"، تشويهية أحياناً، وواحد من أكثرها إضحاكاً وإدهاشا.. مع التحفظ على وجود بعض العناصر السلبية التي يصعب أن يتجاوز عنها المرء.
المسلسل الذي أنتجته +AppleTV مرشح لـ23 جائزة إيمي من المتوقع أن يفوز بالعديد منها في الحفل المخطط إقامته في 14 سبتمبر القادم، وهو يأتي عقب عدد من المسلسلات التي تدور في كواليس صناعة الترفيه مثل Hacks الذي يدور حول ممثلة سابقة تعمل كـ standup comedian تحاول الحفاظ على مهنتها و The Franchise الذي يدور في كواليس صناعة أفلام الأبطال الخارقين، ولكن The Studio يدفع بهذه المحاكاة الساخرة Parody إلى حدها الأقصى، وربما إلى حدود "السيريالية"، أو "الهيستيريا"، في بعض المشاهد.
The Studio، بداية، هو فكرة وكتابة وإخراج كل من سيث روجن وإيفان جولدبرج، صاحبا فيلم The Interview عام 2014، والذي أثار زوبعة وقت عرضه بسبب موضوعه الذي يدور حول صحفيين أميركيين يحصلان على سبق إجراء حوار مع الزعيم الكوري كيم يونج، ولكن يفاجئان بأن المخابرات الأمريكية تكلفهما بمهمة "وطنية" هي اغتيال الزعيم الكوري، وقد تسبب الفيلم في أزمة بين البلدين لبعض الوقت.
ممثلون يفتقدون للجاذبية!
يدور المسلسل كما يدل اسمه حول ستوديو (شركة إنتاج) أفلام أميركية اسمها "كونتينتال"، يقوم صاحبها بفصل المديرة لأنها لم تستطع إنتاج أعمال مربحة تجارية بالشكل الذي يتمناه، ويعين بدلاً منها أحد مساعديها وهو "مات ريميك"/ سيث روجن، الذي يجد نفسه مشتتاً بين أمنيته في صنع أفلام فنية تحصل على جوائز وأوامر صاحب الشركة، الذي يريد إنتاج سلسلة تجارية خفيفة لبطل خارق مستلهم من أحد المشروبات الشعبية الرخيصة، التي ازدهرت في الستينيات وكان يحمل اسم "كولايد".
المفارقات التي تنتج عن هذا التناقض مضحكة بشكل لا يصدق، إذ يطمح "ريميك" إلى الاستعانة بمارتن سكورسيزي شخصياً لإخراج فيلم عن واحدة من أسوأ حوادث القتل الجماعي في تاريخ أميركا، المعروفة بـ"جونز تاون"، والتي حدثت في 1978 عندما قام المئات من أتباع رجل دين مجنون بالانتحار الجماعي، وقيام حراس مزرعته بقتل عدد آخر.
طموحات فنية
يلحظ "ريميك" أن أنصار الجماعة المهووسة كانوا يشربون الـ"كولايد"، ويعتقد أنه سيخدع صاحب الاستوديو بعمل فيلم عن المشروب من إخراج سكورسيزي، ولكن بالطبع يتعرض للتوبيخ ويضطر إلى إعطاء الفكرة لكاتب ومخرج "تجاري"، فيما يتعين عليه أن يتملص من تعهده لسكورسيزي، ليس فقط برفض إنتاج الفيلم، ولكن شراء حقوقه ودفنه حتى لا يوجد فيلم آخر يحمل إشارة إلى "كولايد"!
الطريف أن مارتن سكورسيزي رُشح عن دوره لجائزة إيمي كممثل، والطريف أنه ليس وحده، فالحلقة تضم عدداً من النجوم الآخرين بشخصياتهم الحقيقية، مثل تشارليز ثيرون وستيف بوتشيمي وآيس كيوب.
بحب السيما ولكني أدمرها!
يستعين المسلسل بعدد من النجوم والفنانين المعروفين يؤدون شخصياتهم الحقيقية، يزيد عددهم عن 30 ضيفاً على مدار حلقات المسلسل العشرة، منهم المخرجين سارا بولي ورون هوارد، والممثلين أوليفيا وايلد، زاك ايفرون، جريتا لي، زوي كرافيتز، وغيرهم.
الاعتماد على هذا التكتيك ليس من شأنه فقط تطعيم العمل بضيوف شرف لامعين يؤدون نسخة "مبالغ فيها" و"كوميدية" من أنفسهم، ولكنه أيضا يعطي مصداقية للأحداث والمواقف مهما بلغت من خيال ولا معقولية في الكتابة.
بين الضحك والدهشة
بجانب النجوم الذين يتغيرون من حلقة لأخرى هناك فريق عمل الاستوديو الرئيسيين ريميك ومساعدته الطموحة "كوين هاكيت" (تشيس سو وندر)، "باتي" (كاثرين أوهارا) المديرة السابقة للاستوديو والتي يستعين بها مضطراً لكي لا تسحب أصدقاءها من الفنانين الذين يعملون لصالح الشركة، نائبه والرجل الثاني بعده "سال" (ايك بارينهولتز)، وهو مدمن هيروين يحقد على "ريميك" ويطمع في الاستيلاء على منصبه، مديرة التسويق "مايا" (كاثرين هان) التي لا يعنيها سوى الجانب التجاري للأفلام، بالإضافة إلى صاحب الشركة "جريفن" (برايان كرانستون).
ورغم الجهد الهائل الذي يبذله هذا الفريق إلا أن عيب المسلسل الوحيد يكمن في أنه لا يوجد من بينهم، سواء على مستوى الكتابة أو التمثيل، شخصية واحدة جذابة أو تدعو المشاهد للتعاطف معها، وذلك على عكس ضيوف الشرف!
بين الضحك والدهشة
يعرض المسلسل في كل حلقة قصة مختلفة تكشف عن بعض كواليس صناعة الأفلام، بداية حتى من الكلمة التي تطلق على الفيلم: Film للأعمال الفنية التي لا يريدها الاستوديو، وmovie للأفلام "الشعبية" التي تجذب الجمهور وتدر الأرباح، وحتى الطريقة التي يستعد بها المرشحون للجوائز برد فعل وكلمات معدة سلفاً، رغم أنهم يفتعلون الاندهاش والبكاء والتلقائية.
لكن المفارقة التي يحملها The Studio هي أنه في الوقت الذي يسخر فيه من كل شئ في الصناعة تقريباً (من المخرجين الكبار إلى الممثلين النجوم إلى الأعمال الفنية الجادة)، وفي الوقت الذي يبدو فيه منحازاً لوجهة النظر "التجارية" وأفلام الـIP، أي المصنعة وفقاً للصيغ الجاهزة مضمونة النجاح، إلا أن صناع المسلسل يحملون بجانب هذا الهذر طموحات فنية واضحة، تتجلى في الأسلوب الفني الذي صنع به العمل.
بين الضحك والدهشة
يظهر ذلك بوضوح في الحلقة الثانية التي تحمل عنوان The Oner أي اللقطة الواحدة الطويلة، وتصور المخرجة المعروفة سارا بولي أثناء محاولتها لتنفيذ لقطة واحدة طويلة تختم بها فيلمها، بينما الحلقة نفسها مصورة كلقطة واحدة.
وفي

