الأزمة الصحية النفسية في العراق: تحديات وآفاق
مقدمة
يشهد العراق في الآونة الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في معدلات الإصابة بالأمراض النفسية، وسط أزمات متلاحقة أرهقت المواطن وأضعفت مناعته النفسية. بحسب الباحث الاجتماعي فالح القريشي، فإن نحو 30% من المواطنين يعانون من اضطرابات نفسية بدرجات متفاوتة، أبرزها الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة.
الأسباب والتحديات
أسباب هذه الزيادة ليست طبية فقط، بل هي نتاج مركب للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العراقيون منذ سنوات. العنف المجتمعي، النزاعات المسلحة، البطالة، الفقر، وتدهور العلاقات الأسرية كلها عوامل ضغط تراكمية، تُحدث تشوهًا في البنية النفسية للفرد، وتجعل الكثيرين عرضة للانهيار.
المعضلة النفسية والوصمة الاجتماعية
يواجه المرضى النفسيون في العراق جدارا مزدوجا من الإهمال والوصمة. تُعاني البلاد من ضعف واضح في البنية التحتية للرعاية النفسية، ومن جهة أخرى، تحاصر وصمة العار المرتبطة بالأمراض النفسية الكثير من المرضى، فتمنعهم من طلب العلاج، أو حتى الاعتراف بالمعاناة.
البيانات والإحصائيات
تكشف بيانات رسمية صادرة عن مستشفى ابن الرشد للطب النفسي عن جانب من حجم المشكلة، حيث تم تسجيل أكثر من 20 ألف مراجعة خلال النصف الأول من عام 2025 في العيادة الاستشارية وحدها، إضافة إلى 440 حالة رقود داخلية، بينها 82 حالة لمرضى الإدمان.
الحلول والاستراتيجيات
يدعو القريشي إلى ضرورة صياغة استراتيجية وطنية شاملة للصحة النفسية، تشمل حملات توعوية على مستوى المدارس والجامعات، وتوسيع تدريب الكوادر الطبية، فضلًا عن فتح مراكز علاجية في كل محافظة، وتوفير دعم نفسي أولي داخل المؤسسات التربوية والتعليمية.
الخلاصة
ما لم تتعامل الدولة مع الصحة النفسية كأولوية لا تقل عن باقي القطاعات، فإن العراق سيكون أمام كارثة صامتة، تتمدد في كل بيت وشارع ومؤسسة، دون ضجيج، لكنها تفتك بالناس من الداخل.

