في سنوات مضت، كنت أسمع من كبار السن في مدينة غزة، وصف شيوخ الشاباك، وكان المقصود بهذا الوصف، قيادات من الحركة الإسلامية في الشمال بالداخل المحتل 48، وعلى رأسهم رائد صلاح وتلميذه كمال الخطيب، هذه الحركة التي تعتبر جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين في الأراضي المحتلة 1948.
من هذا المنطلق لم استغرب دعوة ما يعرف بأئمة مساجد الداخل، وهم بالأساس جزء من حركة رائد صلاح وكمال الخطيب، من دعوتهم للتظاهر حول السفارة المصرية في تل ابيب، واتهام الشقيقة مصر بحصار قطاع غزة والاشتراك في المجاعة التي تضرب القطاع بحكم سيطرة الاحتلال على كافة معابر القطاع والتحكم بها، وبالتالي يمكن فهم هذه التظاهرة المشبوهة على أنها تبرئة كاملة للاحتلال الإسرائيلي من ارتكابه للإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتجويع السكان ودعم العصابات المسلحة وإشاعة أجواء الفلتان الأمني، وهي كلها عوامل من صناعة الاحتلال ساهمت في الوصول الي حالة المجاعة في غزة باعتراف الأمم المتحدة والمؤسسات والمنظمات الدولية، مما فيها الإسرائيليين أنفسهم، يعترفون بمسؤولية حكومتهم المتطرفة عن المجاعة والحصار والإبادة في قطاع غزة، إلا هذه الجماعة المشبوهة كان لها رأي أخر، يرفضه ويهاجمه كل وطني فلسطيني حر، وهذا ما كان، وما شاهدناه من رفض شعبي فلسطيني خاصة في قطاع غزة لهذه التظاهرة المشبوهة مكانا وتوقيتا.
قبل يومين صدر تقرير عن منظمة بتسيليم ومؤسسة أطباء لحقوق الإنسان الإسرائيليتان، يتهمان فيه حكومة نتنياهو بارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة وتجويع سكانه، وهي تهمة ترتقي لجريمة من جرائم الحرب الموصوفة في القانون الدولي.
وفي ذات السياق دعا خمسة من رؤساء الجامعات في إسرائيل، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في رسالة نشرت في وسائل الإعلام، إلى إنهاء تجويع قطاع غزة، والذي يؤثر على الأطفال الرضع، والمدنيين غير المشاركين في الصراع.
وقالوا في الرسالة، أننا ومع شرائح متزايدة من سكان إسرائيل نشاهد بصدمة المشاهد القادمة من قطاع غزة، بما في ذلك الأطفال الرضع الذين يموتون يوميا من الجوع والمرض، وأننا كشعب ناجٍ من المحرقة علينا مسؤولية أخلاقية بمنع الإيذاء للمدنيين والأبرياء والأطفال والنساء.
وفي نفس الإطار تظاهر عشرات الإسرائيليين أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في بداية هذا الأسبوع، للتنديد بالمجاعة التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة، مطالبين بالعمل السريع والجاد على إنهاء المجاعة وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
في العام الماضي، بعد احتلال قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفح في مايو 2024، أشادت حركة حماس على لسان عضو المكتب السياسي أسامة حمدان برفض مصر الاعتراف بسيادة الاحتلال على مدينة رفح ومعبرها، داعيا إلى إغلاق معبر رفح كي لا يكون هناك اعترافا مصريا بسيادة الاحتلال، مؤكدا ضرورة أن يكون المعبر الحدودي مصريا فلسطينيا خالصا.
وهذا أيضا موقف فلسطيني عام، نرفض أي اجراء فيه اعتراف بسيطرة الاحتلال على معبر رفح، وكان يجب ان يكون الحراك الفلسطيني الرسمي بتفعيل هذه الجزئية في المحافل الدولية بالتعاون مع الدولة المصرية التي طالبت من اليوم الأول بخروج الاحتلال من المعبر، لضمان استمرارية العمل به، في ظل الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة.
نحن أمام عدو واحد وأوحد، هو الاحتلال الإسرائيلي، هو المسؤول الأول والمباشر، عن الحالة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة، بحكم محكمة الجنايات الدولية، التي ادانت رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ووزير دفاع الأسبق يؤأف غالانت، بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في قطاع غزة.
من هنا، يجب ان تكون الدعوات من ما يعرف باتحاد أئمة الداخل والحركة الإسلامية في الداخل المحتل، موجهة الي الاحتلال أولا وأخيرا، كان يمكن الخروج والتظاهر أمام عناوين الحقيقة للمأساة، أمام مقر الحكومة الإسرائيلية، ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، إلى منازل بن غفير وسموتريتش ونتنياهو وغيرهم من ارباب الحرب على قطاع غزة.
وبالتالي أي حرف للمشهد بعيدا عن الاحتلال والتساوق مع مبررات الاحتلال، هو خيانة لدماء الشهداء والتضحيات في قطاع غزة، وطعن في الأشقاء وخاصة جمهورية مصر العربية، في وقت تتكالب عليها المؤامرات، للقبول بالتهجير والتوطين والابتزاز السياسي في ملفات إقليمية، وبقيت صامدة أمام كل هذه المؤامرات التي تحاك ضدها في السر والعلن من القريب والغريب.
بحكم متابعتي الدقيقة للإعلام الإسرائيلي من سنوات طويلة، وخاصة في ظل حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، نرى حجم الهجوم الإسرائيلي والتحريضي ضد الدولة المصرية والجيش المصري، ويشترك معها في هذا الهجوم، الاعلام الإخواني وبعض الأطراف العربية والإقليمية، هذا لم يكن نتاج صدفة، بل نتاج هدف مشترك يريد من خلال حرب الإبادة استغلال معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، لتصفية حسابات أيديولوجية ضيقة من جهة، وتشويه الدولة المصرية خدمة لأهداف إقليمية من جهة أخرى، خاصة في ظل السعي المصري الدؤوب في الوساطة لإنهاء الحرب في غزة، ودور مصر الريادي في صياغة الخطة المصرية لإعادة الإعمار والتي اخذت طابع عربي واسلامي ودولي بجهود الدولة المصرية، هذا الدور الذي أزعج الكثيرين من المحيط العربي والإقليمي. عدا عن الدور الإنساني للدولة المصرية حكومة وجيشا وشعبا، منذ اليوم الأول لحرب الإبادة ومازال مستمرا لحد هذه اللحظة.
كان لازم هنا ان يطرح المتابع سؤالا رئيسيا لن يأخذ وقتا طويلا في اجابته، لمصلحة مين يهاجم الدور المصري والدولة المصرية في هذا الوقت؟ الإجابة ليست صعبة، لمن يمتلك قليلا من العقل والتفكير الحر.
لا يمكن للاحتلال الإسرائيلي ان يحقق أهدافه كاملة في قطاع غزة من خلال حرب الإبادة، دون الضرب بالموقف المصري الصلب ومحاولة ابتزازه بمختلف الملفات والطرق.
علينا ان نعى كفلسطينيين، وعرب، وأصدقائنا المؤمنين بحقوقنا حول العالم، ان حرب الإبادة على قطاع غزة، لا تقتصر فقط على الشعب الفلسطيني في غزة، بل تمتد بأشكال مختلفة، للنيل من الدور المصري، وابتزازه، وتشويهه لإرغامه على القبول بالمخططات الإسرائيلية، علينا أن نكون يقظين لهذا المخطط الكبير الذي يحاك سرا وعلانية، وان لا ننجر خلف دعوات مشبوهة وقنوات إعلامية مأجورة، تحرف وجه الحقيقة، وتسعى لزرع الاسافين بين الشعب الفلسطيني وشقيقه المصري الذي وقف وقفات عز ورجولة في مختلف المحطات الصعبة، ليس من اليوم، بل من سنوات طويلة سابقة، لا ينكرها الا حاقد وجاحد، يعمل ويتحدث بلسان صهيوني.