هل هناك «عقلٌ» لبني البشر، يختلف عن عقلٍ آخر؟!
نعني العقل الجمعي، الذي ينتظم فيه، ويفكّر به، مجتمع بشريٌ ما، وليس عقل الفرد، فهذا بحثٌ مختلف.
يعني هل يختلف العقل الغربي الجمعي عن العقل الشرقي الجمعي؟!
مرّة أخرى نُذكّر، عن العقل العام نتكلّم وليس عن عقل الفرد المُفرد.
في القديم كان الحديثُ عن عقل الفُرس وعقل الهند وعقل الصين وعقل الروم وعقل العرب وعقل السودان وعقب البربر… إلخ.
وفي الحديث عن عقل أوروبا ثم الغرب تجاه العقل الآسيوي، ونتذكّر كلام ما كان يُعرف بالنمور الآسيوية، عن الخصوصية الآسيوية، أو «القِيم الآسيوية» كما كان يقول النمر الماليزي المُعمّر مهاتير محمد.
قبل 40 عاماً فاجأ المُفكّر المغربي الكبير محمد عابد الجابري الوسط الثقافي والصحافي العربي – والمهتم من غير العربي – بأطروحته عن «العقل العربي».
يومذاك كانت هناك حيوية فكرية، ومجتمع ثقافي صحافي قارئ متفاعل إيجابي، وليس كاليوم، الذي سادت فيه قِيم العوامّ وأشباه العوامّ في الفضاء العام، ولله المُشتكى!
كتب الجابري سلسلته الشهيرة تلك – أنصح بقراءة الجزء الأول منها على الأقلّ – وافتتحها بـ«تكوين العقل العربي» ثم «بِنية العقل العربي» ثم «العقل السياسي العربي» ثم «العقل الأخلاقي العربي».
كانت البداية عام 1984 من خلال (مركز دراسات الوحدة العربية) ثم توالت بعد ذلك العديد من الطبعات للكتاب، آخر طبعة وهي الطبعة الرقم 16 صدرت في 2023.
الكلام يطول عن أطروحة الجابري، لكن من مقولاتها الشهيرة تقسيم أنظمة المعرفة في العالم الإسلامي لثلاثة هي: العِرفان والبيان والبرهان.
اليوم هل يمكن الفكاك من شباك أنظمتنا المعرفية الآسرة، وتجديد خلايا التفكير؟!
ساقني لهذا السؤال مُنجزٌ علمي جديد، وإن كان ذا طابع طبّي عضوي بحت، حيث استطاع فريق من الباحثين في السويد، بفضل تقنية علمية جديدة، العثور على خلايا عصبية حديثة التكوين في أمخاخ أشخاص بالغين تصل أعمارهم إلى 78 عاماً، كما تمكنوا للمرة الأولى على الإطلاق من تحديد خلايا المخ التي أنجبت تلك الخلايا العصبية الجديدة.
بتطبيق آني مُباشر، هل يمكن للعقل الطائفي والشوفيني في ديارنا أن يُجدّد خلايا عقله، ويتخلّص من الخلايا التالفة، ويستبدل بها أخرى غضّة جديدة؟!
نحن أمام صراع أنظمة معرفية وشباك مفاهيمية آسرة، تنفجر أحياناً على هيئة: حروب أهلية، مؤامرات سياسية، حملات إعلامية، خلايا إلكترونية بالسوشيال ميديا.
الإنسان هو عقله ولسانه، والباقي مادّة فانية، ألم يقل حكيم العرب، زهير بن أبي سُلمى من قبل:
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادهُ
فلم تبقَ إلا صورةُ اللحم والدمِ؟!