زياد الرحباني، فنان لبناني استثنائي، لم يكن مجرد مؤلف موسيقي أو ملحن، بل كان صوت جيل بأكمله، ومُعبّرًا عن نبض الشارع اللبناني بكل تناقضاته وأحلامه. ثورته تجلت في أعماله تلك الروح الثائرة التي لم تخشَ كسر القواعد، والتعبير عن أعمق المشاعر بصدقٍ وجرأة.
زياد تأثر بكل التناقضات التي بحياته من كونه ابن قيثارة السماء وعائلة فنية تتوارث الفن كما توارثت التفكك والخلافات والعنف أحيانا، بدأت مسيرة زياد الفنية في فترة السبعينيات، متأثرًا بكل مامرت به لبنان من طائفية وحروب وانقسامات . لكن وجد في فنه وصوت فيروز العزاء كيف وهي كانت المخلص ومصدر إلهام لا ينضب لكل العرب . لم تكن مجرد أم، بل كانت أيقونة فنية صقلت ذائقته الموسيقية وفتحت له أبواب التجريب.
من أولى أعماله البارزة التي حملت توقيعه الخاص، مسرحية “سهرية” التي قُدمت عام 1973، تلاها “نزل السرور” في 1974. هذه الأعمال لم تكن مجرد بدايات، بل كانت إعلاناً عن ميلاد فنان يمزج الكوميديا السوداء بالنقد الاجتماعي الحاد، ويصوغها في قالب موسيقي فريد يجمع بين النغم الشرقي الأصيل والإيقاعات الغربية الجازية. ألحانه لـ”يا مهنا” و”البوسطة” لفيروز، حملت في طياتها روحًا شبابية متجددة، وأظهرت قدرته على فهم صوت والدته وتطويعه ليعبر عن قضايا جيله.
لبنان، الحب، والفقد ، الجرح ، منابع الإلهام.
لم يكن لبنان مجرد مكان لزياد، بل كان جزءًا من روحه، يتنفسه في كل أغنية وكل نص. عبر عن عشقه لوطنه بمرارة وحب في آن واحد، انتقد فيه الفساد والظلم، وحلم بوطن أفضل. هذا الشعور العميق بالانتماء، ممزوجًا بمشاعر الحزن التي رافقته، خاصة بعد فقدان والده عاصي الرحباني، غذى إبداعه وأضفى عليه طابعًا إنسانيًا عميقًا. ألبومات مثل “بالنسبة لبكرا شو؟” و”أنا مش كافر” لم تكن مجرد أغاني، بل كانت مرايا تعكس الواقع اللبناني في أصعب مراحله، وتترجم حالة الفقد والألم التي عاشها هو والكثيرون.
أعمال متأخرة وتأثير خالد
مع مرور السنين، استمر زياد الرحباني في عطائه الفني، وإن كان بوتيرة أقل. أعماله المتأخرة حملت نفس البصمة الجريئة، لكنها عكست نضوجًا فكريًا وفنيًا أعمق. لم يتخلَ عن نقده اللاذع والكوميدي في نفس الوقت للمجتمع والسياسة، لكنه قدمه بقالب أكثر هدوءًا وتأملًا. استمر في تقديم الحفلات الموسيقية، وظهر في حوارات قليلة كانت كل منها بمثابة بصيص ضوء يكشف عن فكره وثقافته الواسعة. أعماله، سواء كانت مسرحيات، أغاني منفردة، أو مقطوعات موسيقية، لم تفقد بريقها، بل أصبحت تُدرّس وتُحلل في الأوساط الأكاديمية والفنية، مؤكدة على مكانته كفنان تجاوز حدود الزمان والمكان. إرث زياد الرحباني هو شهادة حية على قوة الفن في التعبير عن الذات والوطن، وفي لمس أرواح البشر بعمق لا يُضاهى.
في النهاية نعزي انفسنا بأيمان ان الموت يعلن هزيمته دائما
امام روح ثائرة اودعت صرختها في وتر ولحن واغنية تطرب