الاتفاقية العراقية–الصينية: جدل ومخاطر وفرص
مقدمة
على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على تفعيل الاتفاقية العراقية–الصينية، والمعروفة بمبدأ "النفط مقابل الإعمار"، إلا أن جدلها لا يزال حاضرا بقوة في الأوساط الاقتصادية والسياسية. تعددت القراءات بشأن جدواها، بين من يراها مشروعا استراتيجيا للتحرر من الارتهان الاقتصادي للغرب، ومن يعتبرها نموذجا آخر لعقود غير شفافة غابت عنها المساءلة والتنفيذ الجاد.
خلفيات الاتفاقية
وُقعت الاتفاقية العراقية–الصينية لأول مرة في أيار 2018 ضمن اتفاق إطار تعاون بين البلدين، قبل أن تدخل حيز التنفيذ الفعلي في أيلول 2019 خلال زيارة رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي إلى بكين. وقد شملت الاتفاقية تخصيص العراق لكمية أولية من صادراته النفطية بواقع 100 ألف برميل يوميا، تودع عائداتها في حساب خاص يُدار بالشراكة بين وزارة المالية العراقية والبنك المركزي، ويُستخدم لتمويل مشاريع تنموية تنفذها شركات صينية حكومية.
هيكل الاتفاق وآلية التنفيذ
تتكون الاتفاقية من عدة عناصر مالية وفنية، أبرزها:
- تصدير النفط العراقي إلى الصين بواقع 100 ألف برميل يوميا، رُفعت لاحقًا إلى 150 ألف برميل.
- إيداع عائدات التصدير في "حساب التسويات" بإشراف عراقي–صيني مشترك.
- تخصيص نسبة 10% من العائدات الشهرية لتمويل مشاريع بنى تحتية، يجري اختيارها من قبل الحكومة العراقية وتنفيذها من قبل شركات صينية.
- إمكانية فتح خط ائتماني صيني بضمان شركة التأمين الصينية "ساينوشور"، يصل إلى سقف 10 مليارات دولار، يُستخدم لتعجيل تنفيذ المشاريع الكبرى.
الانتقادات الموجهة للاتفاقية
رافقت الاتفاقية الصينية–العراقية منذ لحظة الإعلان عنها سلسلة من الانتقادات البنيوية، التي طالت طبيعة صياغتها وآليات تنفيذها والنتائج المترتبة عليها. ولعل أولى هذه الإشكاليات تمثلت في غياب الشفافية المؤسسية، إذ لم تُنشر النصوص الكاملة للاتفاقية، ولم تعرض تفاصيلها على البرلمان أو تُخضع للنقاش العام.
الفرص والمخاطر
تُجسّد الاتفاقية الصينية–العراقية حالة مركبة من الفرص والمخاطر في آن واحد. فمن جهة، تتيح هذه الاتفاقية إمكانية حقيقية لإعادة رسم ملامح القرار الاقتصادي العراقي خارج حدود الارتهان التقليدي للمراكز الغربية، عبر استثمار الموارد النفطية في مشاريع بنى تحتية تمس احتياجات المجتمع العراقي بشكل مباشر. إلا أنها، من جهة مقابلة، قد تُفضي إلى نوع جديد من التبعية الاقتصادية، إذا ما تم التعامل معها خارج إطار السيادة المالية والمؤسسية، أو في حال افتقارها للإدارة الرشيدة.
النتائج المستنبطة
ينبغي أن يُنظر إلى هذه الاتفاقية بوصفها جزءا من التوازنات الجيوسياسية الأوسع، لا كبديل أحادي لمظلة التحالفات التقليدية. فالمطلوب ليس الانخراط في محور جديد على حساب آخر، بل بناء نموذج عراقي مستقل يقوم على تنويع الشراكات الاقتصادية من دون التفريط بالقرار الوطني. وهذا يستدعي من صانع القرار العراقي تطوير أدوات مناورة استراتيجية، تحمي مصالح البلاد من الضغوط الخارجية، وتؤسس لتعاون دولي متعدد الاتجاهات، بعيدًا عن منطق الاصطفاف.

