حادثة أمنية غير مسبوقة في بغداد
شهدت العاصمة بغداد، الأحد (27 تموز 2025)، حادثة أمنية غير مسبوقة داخل دائرة حكومية تابعة لوزارة الزراعة في منطقة الدورة، بعد اندلاع اشتباك مسلح عنيف، أدى إلى مقتل شخصين، أحدهما مدني، وإصابة 12 آخرين بجروح متفاوتة، وسط حالة من الصدمة والغضب الشعبي.
شرارة الحادث
وبحسب تقارير صحفية، فإن شرارة الأحداث لم تبدأ داخل الدائرة الحكومية، بل تعود إلى ما قبل ذلك بأيام، وتحديدًا في منطقة المدائن جنوب بغداد، حيث اقتحم عدد من المسلحين المجهولين أراضي زراعية وفرضوا سيطرتهم عليها بقوة السلاح، وفق ما وثقته إحدى القنوات عبر تقرير ميداني.
ردود الأفعال
ونقل مراسل القناة عن أصحاب الأراضي في المدائن قولهم إنهم "تعرّضوا للتهديد المباشر والإجبار على مغادرة أراضيهم"، مؤكدين أنهم قدموا شكاوى وناشدوا الجهات الأمنية لفتح تحقيق عاجل وكشف الجهة التي تقف خلف الاستحواذ.
إقالة مدير قسم الزراعة
ورجحت مصادر سياسية وإدارية مطلعة، أن تلك الحادثة كانت السبب وراء إقالة مدير قسم الزراعة في الكرخ وإحالته الى النزاهة، في محاولة لمعالجة ما وُصف بـ"تراخي إداري في التعامل مع حالات الاستحواذ"، غير أن قرار الإقالة هذا فجّر توترًا أكبر.
الاشتباك المسلح
ووفق مصادر أمنية، بعد صدور قرار إداري بتغيير مدير قسم في مديرية زراعة الكرخ، إلا أن المدير المقال رفض تنفيذ القرار، ولجأ إلى استقدام مجموعة مسلحة، بهدف منع المدير الجديد من تسلّم مهامه.
تدخل الشرطة الاتحادية
هذا التصعيد دفع المسؤولين إلى طلب تدخل الشرطة الاتحادية، والتي واجهت القوة المسلحة المرافقة للمدير السابق، فاندلع اشتباك مسلّح داخل المبنى الحكومي، انتهى بسقوط ضحايا، وانتشار مقاطع فيديو توثق لحظة إصابة أحد المنتسبين داخل الدائرة.
اعتراف رسمي وتحديد المتورطين
لاحقًا، أعلنت قيادة العمليات المشتركة أن اللواءين 45 و46، التابعين لهيئة الحشد الشعبي، هما الجهتان المسؤولتان عن الهجوم، وأكدت إلقاء القبض على 14 متهماً من العناصر المشارِكة في الحادثة، فيما تعهّدت بمواصلة التحقيقات لكشف جميع الملابسات.
ردود الأفعال الرسمية
من جهتها، أصدرت خلية الإعلام الأمني بيانًا أدانت فيه "التصرف غير القانوني"، ووصفت الحادث بأنه "تجاوز خطير على مؤسسات الدولة"، فيما شددت هيئة الحشد الشعبي على أن ما حدث هو "تصرف فردي من بعض المنتسبين"، وتعهدت بفتح تحقيق داخلي لمحاسبة المقصرين.
ردود الأفعال السياسية
وفي موقف سياسي لافت، أدان الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى السياسية الشيعية الحاكمة، الحادثة بشكل صريح، معتبرًا إياها "خروجًا عن القانون وسياقات الدولة"، وذلك في بيان صدر عقب اجتماع طارئ للإطار لمناقشة التطورات الأمنية.
التحقيقات
وقال البيان إن "الإطار يدعم كل الإجراءات القضائية والحكومية الهادفة إلى بسط الأمن وإنفاذ القانون وحفظ هيبة الدولة"، مؤكدًا "رفضه المطلق لاستخدام السلاح خارج الإطار الرسمي"، وطالب بـ"تحقيق شفاف ومفصل ومعاقبة كل من يثبت تورطه وفق الأطر القانونية".
تعليقات سياسية
وعلّق السياسي المستقل نبيل العزاوي على ما جرى، مؤكدًا أن "الحديث عن استحواذ منظم وتخطيط مسبق غير واقعي"، وأن ما جرى جاء نتيجة تصرفات فردية.
خلفية الحادثة
ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها. ففي عام 2023، شهدت المنطقة نفسها اشتباكًا مسلحًا مشابهًا بين عناصر من الشرطة الاتحادية ومجموعة مسلحة، على خلفية نزاع حول ملكية أراضٍ زراعية في البوعيثة، في ظل غياب الحسم الرسمي حينها أيضًا.
تحديات 앞ية
ورغم تحديد هوية الجهة المنفذة واعتقال 14 عنصرًا من المشاركين، إلا أن الحادثة أعادت طرح سؤال قديم جديد بشأن قدرة الدولة على فرض معايير موحّدة للسلوك الأمني داخل مؤسساتها المختلفة، دون أن تدخل في صدام مفتوح مع التشكيلات التي تنشط تحت مظلّة رسمية.
استنتاجات
ويرى مراقبون أن ما جرى في الدورة لا يمثل فقط تجاوزًا على مؤسسة مدنية، بل يعكس هشاشة الخط الفاصل بين القرار الفردي والانضباط التنظيمي، وهو ما يُحتم على الحكومة التعامل مع الملف بحذر عالٍ، يحفظ توازن الداخل، ويمنع الانزلاق نحو تصعيد سياسي أو ميداني.
مستقبل التحقيقات
ويشير متخصصون إلى أن البيانات الرسمية وتأكيدات المحاسبة، على أهميتها، لا تكفي لإقناع الشارع ما لم تُقترن بخطوات فعلية تُعيد الاعتبار لهيبة الدولة، وتُرسي حدودًا واضحة بين المؤسسة والدور الفردي أو الميداني المنفلت.

