“ابني نجح في الشهادة الإعدادية، ولست أعلم هل أختار له البكالوريا أم الثانوية العامة، بماذا تنصح؟”.. رسالة وصلتني من أحد أولياء الأمور عقب مقالي السابق، لم تكن مجرد استفسار عابر، بل كانت انعكاسًا لحالة من الحيرة والقلق يعيشها آلاف الأسر المصرية هذه الأيام.
رسالة أخرى كانت أكثر حدة، من أحد أولياء الأمور أيضًا، قال فيها: “سأختار الثانوية العامة، فالبكالوريا غير معترف بها دوليًّا، وكلياتها غير مضمونة”.
وبين هذه وتلك، وردتني عشرات الرسائل والانطباعات التي حملت قلقًا مشروعًا وتساؤلات مشروعة، غير أن ما كان لافتًا هو أن الأزمة أعمق من مجرد اختيار نظام تعليمي، إذ يرى بعض أولياء الأمور أن نظام البكالوريا، الذي يمتد لعامين، يتطلب أعصابًا فولاذية لتحمل ضغط الامتحانات مرتين متتاليتين.
كما أن نظام التنسيق المعتمد فيه قد يكون ظالمًا، حيث يُحتسب المجموع من 100 درجة في سبع مواد، بخلاف الثانوية العامة التي تحتسب على أساس 320 درجة في الصف الثالث فقط، ما يمنح الطالب فرصة أوسع لتحقيق مجموع مرتفع.
أما الثانوية العامة، فرغم مشكلاتها المعروفة، يراها كثيرون “الخيار الآمن”، ويعتبرونها نظامًا أكثر وضوحًا نسبيًا، خاصة في ظل التخبط والتغييرات المتكررة في السياسات التعليمية السنوات الفائتة.
في المقابل، يرى آخرون أن البكالوريا قد تكون نظامًا جيدًا إذا طُبق بالشكل الأمثل، نظرًا لأنه يوجه الطلاب المتفوقين الذين يحددون مساراتهم مبكرًا.
المثير أن بعض المعلمين أنفسهم أعربوا عن تخوفهم من البكالوريا، وبدأوا ينصحون أولياء الأمور بالثانوية العامة، ربما بسبب ضعف اطلاعهم على النظام الجديد أو لدوافع شخصية، ما يعكس فجوة حقيقية في التواصل بين صناع القرار في وزارة التربية والتعليم والمنفذين، فضلًا عن غياب الحوار المجتمعي مع أطراف أساسية في المعادلة، وعلى رأسهم أولياء الأمور.
الحقيقة أن المسألة شديدة التعقيد، والأسر تحتاج إلى فهم دقيق للفروق بين النظامين، ومعرفة مزايا كل منهما وعيوبه، فالقضية ليست بسيطة، أن تكون ولي أمر يقف في منتصف الطريق، لا يعرف كيف يخطط لمستقبل ابنه.. هل ينتظر تحرك المركب؟ أم يختار وجهته مسبقًا ويُسلم نفسه للمصير؟!
شخصيًا، لست ضد تطوير التعليم، لكن مشكلتي – كما ذكرت مرارًا – تكمن في آليات التنفيذ.. واليوم، هناك عشرات الأسئلة الحائرة في الشارع المصري دون إجابة، ومنها:
-هل نمتلك ضمانات كافية بأن نظام البكالوريا سيكون أكثر عدالة وكفاءة؟
-هل المناهج الحالية مؤهلة لهذا النظام، أم سنعيد صياغتها بما يتوافق معه؟
-هل الهدف هو مجاراة النظم الدولية كـIG؟ أم أن التغيير يأتي لمجرد التغيير؟
-هل سيخفف الضغط النفسي المصاحب للثانوية العامة؟
-هل سيقضي على الدروس الخصوصية أم يعمقها؟
-هل سيحد من الغش؟
-هل سيتم اختباره قبل التعميم؟
أعلم أن الدكتور محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، قد تحدث عن النظام في أكثر من مناسبة سابقة، كان آخرها أمام البرلمان، لكن الأسئلة المطروحة لا تزال بحاجة إلى إجابات واضحة ومباشرة تُقدم لأولياء الأمور من أجل إذابة جليد المخاوف.
من هنا أوجه رسالة خاصة ومباشرة إلى وزير التربية والتعليم:
-من المهم أن تضع هذه التساؤلات في الاعتبار.
-نحن بحاجة إلى أن نسمع منك أكثر.
-نحتاج إلى مؤتمرات صحفية، ولقاءات تليفزيونية، وتواصل مباشر مع الجمهور، لشرح الرؤية والأهداف.
-نحتاج إلى جلسات حوار حقيقية مع المعنيين بالتنفيذ، لضمان الاستيعاب الكامل والتطبيق السليم.
كما أطالب مجلس الوزراء بمتابعة هذا الملف عن قرب، ومراقبة التنفيذ خطوة بخطوة، لأن القضية لا تتعلق بالتعليم فقط، بل هي قضية أمن قومي ومصير أجيال.
أختم حديثي بصفتي ولي أمر قبل أن أكون صحفيًا.. أعلم أن الجهات المعنية تضع هذه المخاوف في حسبانها، لكننا بحاجة إلى تواصل أكبر، وشفافية أوسع، لإنهاء حالة التردد والقلق في هذا الملف، لأن مستقبل أبنائنا لا يحتمل الغموض.
مصلحة الوطن وأبنائه هي الغاية، والله من وراء القصد.