وَمَعْنُ بنُ أَوْسٍ المُزَنِيِّ (ت64هـ = 683م)، شَاعِرٌ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ العَرَبِ.
قَالَ عَنْهُ أبُو الفَرَجِ الأَصْفَهَانِيّ فِي «الأَغَانِي»: شَاعِرٌ مُجيدٌ، فَحْلٌ، مِنْ مُخَضْرَمِي الجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلَامِ، فإَنَّهُ مَدَحَ عبدَ اللهِ بنَ جَحْشٍ، وَغَيْرَهُ، وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ مُسْتَعِيناً بِهِ عَلَى أَمْرِهِ، وَخَاطَبَهُ شِعْراً، وَعُمِّرَ بعدَ ذلكَ إلَى زَمَانِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ.
وَذَكَرَ ابنُ حجَرٍ فِي «الإِصَابَة»: أنَّ مَعنَ بنَ أَوْسٍ قَصَدَ عَبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ، بِمَكَّةَ يَومَ كَانَ أَمِيراً، فَسَألَهُ، فحَرَمَهُ وَلَمْ يُعطِهِ.
فَقَالَ مَعْنُ: لَعَنَ اللهُ ناقةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ!
فَقَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وَرَاكِبَها! أي: أَجَلْ.
وَذَكَرَ القِصَّةَ الخَلِيلُ بنُ أحْمَدَ الفَرَاهِيدِيّ فِي «العَيْن»، دَلِيلاً عَلَى اسْتِخْدَامِهِمْ (إنَّ) فِي مَوضِعِ (أَجَلْ)، لَكِنْ عَنْ أعرَابِي مَعَ ابنِ الزُّبَيرِ.
وَيَبْدُو أنَّ القِصَّةَ الَّتِي فِيهَا قَوْلُهُ: لَعَنَ اللهُ نَاقةً حَمَلَتْنِي إِليْكَ، لَيْسَتْ لِمَعْنٍ بلْ هِيَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ الزّبير الأسدِيّ، الشَّاعِرِ، مَعَ عَبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ، كَمَا فِي «أمَالِي بن المَزرع»، وَقيلَ هِيَ لفَضَالةَ بنِ شَريكٍ الكَاهليّ الأسدِيّ، مِنْ أسَدِ بَنِي خُزيْمَةَ، معَ ابن الزُبير، وفقاً للمُعَافَى بنِ زَكَرِيَّا، فِي «الجَليس الصالح الكافي والأنيس الصالح الشافي».
لكِنَّ مَعْنَ بنَ أَوْسٍ، قَدِمَ مكةَ علَى ابنِ الزُّبَير، فَأنْزَلَهُ دَارَ الضّيفَانِ، وَكَانَ يَنزلُهَا الغُرَبَاءُ وَأبْنَاءُ السَّبِيل، فَأقَامَ يَومَهُ لَمْ يُطعَمْ شيئاً؛ حَتَّى إذَا كَانَ اللَّيلُ جَاءَهُمْ ابنُ الزُّبَيْر بتَيْسٍ هَرِمٍ هَزِيلٍ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذَا، وَهُمْ نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ رَجُلاً؛ فَغَضِبَ مَعْنٌ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَأتَى عُبَيْدَ اللهِ بنَ العَبَّاسِ، فَقَرَاهُ وحَمَلَهُ وَكَسَاهُ، ثُمَّ أتَى عَبْدَ اللهِ بنَ جَعفرَ وَحدَّثَه حَدِيثَه، فَأعْطَاهُ حَتَّى أَرْضَاهُ، وَأَقَامَ عِندَهُ ثَلَاثاً، ثمَّ رَحَلَ. فَقَالَ قَصِيدَةً هَجَا بِهَا ابنَ الزُّبَيرِ، وَمَدَحَ ابنَ جَعفَرَ وَابنَ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ذَكَرَهَا صَاحِبُ «الأغاني» وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ مَعَالمِ تَحَضُّرِ مَعْنِ بنِ أَوْسٍ، أَنَّهُ كَانَ مِئناثاً، وَالمِئْنَاثُ هُوَ مَنْ يَلِدُ الإنَاثَ رَجُلاً كَانَ أو امْرَأة، فَكَانَ يُحسِنُ صُحبَةَ بنَاتِهِ وعِشْرَتَهُنَّ وَتَربِيَتَهُنَّ؛ وَوُلِدَ لِرَجُلٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ بِنتٌ فَكَرِهَهَا وَأظْهَرَ جَزَعاً مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ مَعْنٌ:
رَأَيتُ رِجَالاً يَكْرَهُونَ بَنَاتِهِمْ
وَفِيهِنَّ، لَا تُكْذَبْ، نِسَاءٌ صَوَالِحُ
وَفِيْهِنَّ، وَالأَيَّـــامُ تَعْثُرُ بِالفَتـي
نَـوَادِبُ لَا يَمْلَلْنَــــــهُ وَنَـوائِـحُ
وَلِمَعْنٍ بَيتُ شِعْرٍ، مِنْ أشْهَرِ أَبْيَاتِهِ، وَجَعَلَهُ الثَّعَالِبِيّ فِي «لباب الآداب» أَمِيرَ شِعْرِه، لَكِنَّهُ رَغْمَ شُهْرَتِهِ وَجَمَالِهِ، فِيهِ شَيْءٌ مِنَ التَّقْلِيدِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
إِذَا انصَرَفَتْ نَفْسِي عَنِ الشَّيْءِ لَمْ تَكُن
إِلَيْهِ بِوَجْـهٍ آخَـرَ الدَّهْـرِ تُـقْـبِـلُ
وَذلكَ أنَّ مُعظَمَ الخَلقِ، إذَا تَحَقَّقَ لَهُمْ انْصِرَافُ نُفُوسِهِمْ عَنْ شَيءٍ مَا، فَإنَّ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذَا الانْصِرَافِ، عَدَمَ الإقبالِ عَليْهِ مَرَّةً أُُخْرَى!
وَيبدُو أنَّ شَاعرَنَا الكَبيرَ أرَادَ أن يُبيِّنَ إعْراضَ نَفسِهِ عَمَّا لَا يَتَهَيَّأُ لَهَا، مِنْ بَابِ التَّرَفُّعِ وَعِزَّةِ النَّفسِ، فَقَالَ: إذَا انصرَفتْ نَفْسِي عَنِ الشَّيء لَمْ تَكُنْ لِتُقْبِلَ عَلَيهِ بَعدَ ذَلِكَ، وَأَحْسَبُ أنَّ هذَا هُوَ مَا يَحدثُ لِغَالبيَّةِ النَّاسِ، إذَا انْصَرَفَتْ نُفُوسُهُم، أَمَّا إِذَا لمْ تَنصَرِفْ عَنِ الشَّيْءِ النُّفُوسُ، فإِنَّ قلةً مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصْرِفُهَا عَنْهُ جَبْراً، حَتَّى لَا تَضْطَرُّهُ نَفسُهُ إلَى مَا لَا يَلِيقُ. وَهَذَا عَيْنُ مَا تَحدَّثَ عَنْهُ أبو ذُؤَيبٍ، فِي بَيْتِهِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الأَصْمَعِيُّ: «هُوَ أَبْرعُ بَيْتٍ قَالَتْهُ العَرَبُ»، وَهُوَ قولُ الهُذَلِيِّ:
وَالنَّـفْـسُ رَاغِـبَـةٌ إِذَا رَغَّـبْـتَـهَا
وَإِذَا تُـــرَدُّ إِلَـى قَـلِـيـلٍ تَـقْـنَـعُ