من أجمل المشاهد التي تعايشتها في الدراما المصرية، مشهد في غاية البساطة، ولكنه ينم عن عمق شديد فى الإحساس، وذلك المشهد الذي كتبه المُبدع “وحيد حامد” في مسلسل “أوان الورد” للنجمة الجميلة “يسرا”، وأذكر أنه كان في عام 2001م، وأنه حقق نجاحًا مُدويًا، بسبب رسمه للعلاقة الوطيدة التي تجمع المُسلمين والمسيحيين، علاوة على أنه يصف الحالة الرومانسية الجميلة التي رسمها الكاتب بين البطل والبطلة، فالمشهد الذي استوقفني، جمع بين البطلة وتُجسدها الفنانة “يسرا”، ووالدتها “رُوز”، والتي جسدتها سيدة المسرح العربي “سميحة أيوب”، حيث إن البطلة قد عادت إلى منزلها بعد أول لقاء يجمعها بالشخص الذي خفق له قلبها لأول مرة، فعندما عادت استشعرت الأم التي كانت تتعايش مع ابنتها كل لحظة تخص مشاعرها حيال ذلك الشخص أنها في حالة سعادة حقيقية، فرفضت أن تسمعها أو تُجبرها على أن تروي أي شيء عن هذا اللقاء، بل إنها قالت لها: “عيشي لحظتك”، وتركتها حتى تستمتع بهذا الإحساس الدافئ الذي بدأ يتلمس قلبها.
وكم أبدع “وحيد حامد” في رسم العلاقة الإنسانية التي تربط الأم بابنتها، فلم يخلق حالة من الفُضول أو الانفعال أو غيرها من المشاعر التي تفسد اللحظات الجميلة، بدعوى الرغبة في الاطمئنان عليها.
وأجمل ما في هذا المشهد أنه يمنحنا درسًا في أهمية أن نتعلم مُعايشة اللحظة، لأنها لحظة غالبًا لا تتكرر، فكل لحظة حتى لو تكررت يكون لها مذاق خاص بها، حتى اللحظات القاسية والأليمة، فلها مفرداتها وأحاسيسها الخاصة، لذا يتعين على كل إنسان أن يعيش لحظته ويستمتع بها ويستفيد منها، ولا يُفسدها بالأفكار والتكهنات والانتظار، ولا يدع لغيره الفرصة في أن يفسدها عليه، بالأسئلة والفضول وتباين الآراء، فاللحظة هي مجرد لحظة، لا تحتاج أن يُشاركها أحد، لأنها لا تستوعب سوى صاحبها، لأن مدتها متناهية الصغر، ولا يمكن أن تعود مرة أخرى.
فعلينا الآن أن نُدرك أن اللحظات هي في النهاية الوقت الذي يُكوِّن حياتنا بالكامل، سواء من المشاعر والأحاسيس والدقائق والثواني والساعات التي تُكون الأيام والشهور والسنين، فلما ندعها تفوتنا دون أن نستمتع بها ونتعايشها بحُلوها ومُرّها، وبحنانها وقسوتها، فهذا هو ما يُكوّن خبراتنا وباكورة مشاعرنا وأحاسيسنا، فعيشوا اللحظة ولا تُفسدوها لأي سبب من الأسباب.