أزمة العجز المالي في العراق: تحذيرات وارشادات
مقدمة
تتجدد التحذيرات من أزمة العجز المالي في موازنة العراق للعام 2025، واستمرار الارتهان شبه الكامل للنفط كمورد رئيسي للإيرادات العامة، وسط تقلبات الأسواق العالمية وتراجع الأسعار، مما يزيد من مخاطر اتساع فجوة العجز.
أسباب العجز المالي
المختص في الشأن الاقتصادي أحمد التميمي، أكد أن "التوقعات الأولية للموازنة المقبلة تشير إلى استمرار العجز المالي بسبب جملة من العوامل المتداخلة، أبرزها انخفاض أسعار النفط العالمية، وهو ما يمثل أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات، فضلاً عن الزيادة المستمرة في الإنفاق التشغيلي، خصوصاً في بند الرواتب، إلى جانب ضعف واضح في تنويع مصادر الدخل غير النفطية".
حلول لمعالجة العجز
وبين التميمي، أن "التعامل مع هذا العجز يتطلب حلولاً عملية تبدأ من إصلاح النظام الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية، والعمل على تحصيل الضرائب من القطاعات غير الرسمية، فضلاً عن تعزيز إيرادات الدولة من خلال رفع كفاءة إدارة المنافذ الحدودية لمكافحة التهريب والفساد، وزيادة الجباية من خدمات الدولة مثل الكهرباء والماء والبلديات بشكل عادل ومنظم".
جذور الأزمة
تعود جذور هذه الأزمة إلى بنية الاقتصاد العراقي القائم على الإيرادات الريعية، وهو ما يجعل موازناته المالية عرضة لتقلبات السوق العالمية، كما أن الحكومات المتعاقبة لم تنجح حتى الآن في إحداث اختراق حقيقي باتجاه تنويع مصادر الدخل وتفعيل القطاعات الإنتاجية غير النفطية.
إصلاح الإنفاق العام
يرى اقتصاديون أن معالجة العجز المالي لا تقتصر على تنمية الإيرادات، بل تتطلب في المقابل إصلاحاً جذرياً في بنود الإنفاق العام، من خلال مراجعة الرواتب والمخصصات غير الضرورية، وتقليل الهدر، والتخلص من الدعم العشوائي واستبداله بدعم موجه إلى الفئات المستحقة، إضافة إلى تقنين المشاريع الاستثمارية الجديدة لحين استقرار الوضع المالي، مع التركيز على المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية.
دور صندوق ضبط الاستقرار المالي
التميمي، شدد على "ضرورة إعادة تفعيل صندوق ضبط الاستقرار المالي، أو ما يُعرف بصندوق الادخار السيادي، لتوظيف فوائض النفط في تغطية العجز عند انخفاض الأسعار، مع دعم القطاعات المحلية المنتجة كالزراعة والصناعة، لتقليل فاتورة الاستيراد وزيادة فرص العمل، إلى جانب محاربة الفساد وتعزيز الحوكمة، وتفعيل النظام الرقابي، وتحديداً دور ديوان الرقابة المالية".
الخيارات المتاحة
ويذهب مراقبون معنيون بالشأن الاقتصادي إلى أن العراق يقف اليوم أمام خيارين، إما السير نحو إصلاحات اقتصادية جدية تعالج الخلل الهيكلي في بنية الإيرادات والنفقات، أو الاستمرار في الحلول المؤقتة، كالقروض الداخلية والخارجية، وهو ما سيُبقي الدولة رهينة تقلبات الأسواق النفطية ويعمّق هشاشتها المالية في أي أزمة مقبلة.
الخلاصة
ويُجمع خبراء الاقتصاد على أن العجز في موازنة العراق لم يعد مجرد أرقام في جداول الحسابات الختامية، بل أصبح جزءاً من إشكالية بنيوية في إدارة الاقتصاد، يتطلب معالجات عاجلة، تتجاوز الأدوات التقليدية، نحو إصلاح شامل يعيد رسم خارطة الإيرادات، ويؤسس لاقتصاد متنوع ومستدام.

