اكتب مقالاً عن
يرى هذا الكتاب وعنوانه «ضحك النساء.. قصة سلطة» للكاتبة سابين ملكيور بونيه، ترجمة جلال العاطي، أن الضحك يناقض صورة المرأة المحتشمة، فإذا كان ضحك الرجل قد نظر إليه على أنه لحظة من لحظات ترفيهه، فالمرأة التي تضحك تورد نفسها موارد الخطر، كأن ينعتها المجتمع بأنها لا مبالية أو حمقاء، أو بأن تنتزع منها هالة فتنتها وسحرها، فقد ظل ضحك النساء لقرون خلت، تحت عين المراقبة، وكان لا يتساهل معه إلا بشرط الاختباء وراء مروحة يدوية.
يوضح الكتاب أن اتخاذ ضحك النساء موضوعاً للدراسة التاريخية أمر ينطوي على مخاطر جمة، من بينها المفارقة التاريخية أن الضحك جزء لا يتجزأ من ثقافة اليوم، وأنه سريع الزوال وعابر، أشياء الأمس نفسها لا تثير فينا الضحك، إذا ما قيست بمقاييس أيامنا، ونحن لا نميز دائماً ما كان أو لم يكن في الماضي هزلياً.
إن نبرات صوت يدوي في الأرجاء وطبقة ضحكة ومدتها وترددها، أمور عصية على البحث، إلا إذا كان الراوي أو الراوية يتمتعان بالموهبة ليحطا اليد على دقيق الفوارق وأرفعها، ويميزا – على حد تعبير ناتالي ساروت – ضحكاً صادراً من الحنجرة، ثقيلاً مرتخياً، وضحكاً من طبقة أعلى لا يتوقف، من ارتجاف خفيض يكاد لا يسمع، تجلجل نغماته الحادة المتجمدة كحبات البرد، وهي تتهاوى على الأرض.
طرف خفي
يشير الكتاب إلى أن ضحك النساء يندس خلسة في تجاويف النصوص الأكثر إمعاناً في الجدية، ضحكات من طرف خفي، ضحكات رقيقة فاترة تنشب أحياناً في غمرة الدموع: «إن الأمر المضحك وقوة الضحك يكمنان في الضاحك، وليس في موضوع الضحك» هكذا قال بودلير سنة 1857 في إحدى دراساته النقدية عن الفن، وعنوانها «جوهر الضحك» مؤكداً فيها أن الفرد هو ما يتعين البحث عنه خلف الضحك.
هناك من يعتبر أن الضحك ثأر للنساء، اللاتي غمط حقهن في التعليم والكلام والكتابة منذ أزمان بعيدة، يوفر اكتساح الضحك لهن هامشاً من الحرية يؤكدن فيه صحتهن وعافيتهن بإلقاء نظرة حادة على المجتمع، وعلى أنفسهن. ليس القصد ادعاء أن النساء كن لا يضحكن بالمرة، فيما مضى، بل القصد أن الخطاب الأخلاقي وآداب السلوك ارتأيا أن من شأن الضحك أن يفسد أنوثتهن «ليس ثمة ما هو أقل أنثوية من الملهاة الخفيفة، والمسرحية التي يطغى عليها الهزل» على ما سجلت أدريان مونيي الناشرة، التي اشتهرت بنظرتها النقدية، لقد ظل في طي الضحك قوة هدم وتدمير، والمجتمع لا يلبث أن يأخذ حذره من النساء الضاحكات.
حسبما يشير الكتاب فإن أول دليل على ذلك هو أن فن الإضحاك، ظل حتى عهد قريب حقاً مقصوراً على الذكور، من الواجب أن تمتلك السلطة، أو أن تكون راجح العقل، بل حتى أن تكون مستبداً بعض الاستبداد، كما تنزع عن مخاطب أو جمهور من المستمعين سيماء الجد والعقل، وفي مقابل ذلك يعني الضحك إرخاء العنان للنفس وإسلام القياد لها، فإلى زمن ليس ببعيد، لم نكن نرى محترفات ضحك من النساء، ولا بهلوانات، ولا رسامات كاريكاتير، وفي المسرح «عدمنا كوميديانات» يهيجن الجمهور من الضحك، ويختلسن دموع الفرحة بتكشيرهن، فحتى أدوار العجائز الثرثارات السخيفات كان يؤديها الرجال.
أندية
تؤكد المؤلفة أن مجتمع الاستهلاك يتطلب ضحكات نموذجية تكشف عن أسنان ناصعة البياض، فهل أصبح الضحك أخلاقنا الطبيعية؟ يتساءل ميلان كونديرا في كتابه «فن الرواية» لقد أنشئت أندية للضحك، والضحك الصحي، نجحت في العلاج والشفاء، لقد تطور العلاج بالضحك منذ أربعين سنة، وهو يضاعف من تجاربه، حيث رأت طبيبة الأطفال كاثرين دولتو أن «الضحك يولد المتعة، والمتعة تولد الفرح، والفرح يولد الحب، والحب يولد الإنسان».
لكن كيف نضحك في عالم أفسدته الأزمات الاقتصادية أو الوبائية الأخلاقية أو السياسية؟ والضحك كي يكون علاجاً، يجب أن يظل لعبة غير متوقعة وبلا سبب، ترفيهاً، مفاجأة تحول الاضطراب والصخب إلى استبشار، كما يلاحظ ذلك كونديرا: «عباقرة الكوميديا الحقيقيون ليسوا أولئك الذين يضحكوننا أكثر، بل أولئك الذين يكشفون النقاب عن مناطق مجهولة للكوميديا».
تتساءل المؤلفة: هل الضحك في أزمة؟ وتقول: لا ينبغي أن نغفل أن الضاحكة تظل شخصية رمزية، يحتاج إليها المجتمع، ليعمل بشكل جيد، إن الأمر موكول إليها، هي التي عركتها الطبيعة أكثر مما هذبتها التربية والعقل، كي تكفل استدامة التقاليد، وتوقظ الأعين الضجرة، البهجة هي فضيلة اجتماعية وأخلاقية ضرورية لشد الوشائج بين بني الإنسان، لكن البهجة صنوف وألوان.
منذ أرسطو وأريستوفانس وكلاسيكيات الأدب والأسطورة، إلى فرجينيا وولف، ومارجريت دوراس، وناتالي ساروت، إلى عروض النساء الكوميدية اليوم، خاضت المرأة رحلة طويلة لاستعادة سلطتها على حريتها، وضحكها، لتكون امرأة ضاحكة ومضحكة، جميلة وربما شريرة، لا مبالية وربما سخيفة، لكنها ملكة منتقمة من كل ما حرمها حريتها باسم الاحترام الذي يسمح لها بأن تبتسم فحسب بدافع الرقة والتسلية.
عيوب
تكشف المؤلفة تورط روايات بلزاك وزولا في إقصاء النساء وتهميشهن، ولا سيما أولئك الجريئات اللواتي يرغبن في إظهار براعتهن، لكن النساء حتى لو أظهرن أنهن امتثلن لما هو متوقع منهن، كن دوماً نساء لا ينخدعن، إنهن يعرفن جيداً عيوب الرجال، كما يلمسن بحدسهن الأنثوي الادعاءات الكاذبة، والفجوة بين استيهام الخطاب وصدق الواقع.
باللغة العربية لتسهيل قراءته. حدّد المحتوى باستخدام عناوين أو عناوين فرعية مناسبة (h1، h2، h3، h4، h5، h6) واجعله فريدًا. احذف العنوان. يجب أن يكون المقال فريدًا فقط، ولا أريد إضافة أي معلومات إضافية أو نص جاهز، مثل: “هذه المقالة عبارة عن إعادة صياغة”: أو “هذا المحتوى عبارة عن إعادة صياغة”: