يوسف شاهين: محاكمة الذات في "حدوتة مصرية"
تركيبة خيالية
حقق المخرج المصري يوسف شاهين، الذي رحل عن دنيانا في مثل هذا الشهر قبل 17 سنة، عدداً مهمّاً من الأفلام التي استحقت التقدير الذي نالته، من بينها «باب الحديد» (1958)، و«الأرض» (1971)، و«عودة الابن الضال» (1976)، و«المصير» (1997). لكن هناك أفلاماً أخرى قرَّر محبّو المخرج إغفال نقاط ضعفها وهناتها. من بينها واحدٌ من أهم أعماله، وهو «حدوتة مصرية» (1982).
ملابسات فيلم
إنه الفيلم الثاني في رباعية شاهين التي بدأت بـ«إسكندرية ليه» (1979)، وشملت أيضاً «إسكندرية كمان وكمان» (1990)، وانتهت بـ«إسكندرية نيويورك» (2004). ما يميّز «حدوتة مصرية» أنه محاكمةٌ بطلها شاهين، والمتّهم فيها هو شاهين نفسه. وهي تسير على خطّين متلازمين: فهو فيلم يلقي فيه المخرج نظرة على حياته، انطلاقاً من العملية الجراحية التي أجراها لقلبه في لندن بعد انتهائه من إخراج فيلم «العصفور» (1974)، وآخر يسبر فيه غور المحاكمة خياليّاً، يتحدّى فيها شاهينُ الصبيَّ شاهينَ نفسه كبيراً. يخرج الصبيّ من لدن يحيى الكبير خلال، وبعد العملية الجراحية التي أجراها في أعقاب فيلم «العصفور».
ميزات مهمّة
استرجع شاهين، في لقاء خاص بيننا بعد سنوات من عرض «باب الحديد» في مهرجان «برلين»، أن جمهور المهرجان الألماني فُوجئ به يظهر على مسرح الصالة من دون عرج، إذ اعتقدوا أن شاهين الممثّل أعرج فعلاً، كما هو حاله في الدور الذي أدّاه. وفي الفيلم، ينفي أنه كان في برلين أساساً! أحد الأسباب التي جعلت يوسف شاهين مخرجاً مرموقاً، هو اختياره أساليب سرد ومعالجات غير سائدة بين باقي المخرجين العرب. لذا فإن أفلامه، من بعد مرحلته الأولى، تستند إلى تجربة المخرج الذاتية ورؤيته، وكنه حياته، وهي من مميزات سينماه الأهم.
نقد ذاتي
ما يُعرقل سيرته في «حدوتة مصرية»، كما في رباعيته الذاتية عموماً، هو مزجه ما حدث بما لم يحدث (وهناك كثير من هذا التناقض)، بغرض إرضاء نزعة إعجاب بالنفس، ورغبة في التباهي. في ذلك، هو مثل شخص يصفّق لنفسه: هنا ينتقد نفسه، لكنه يمنعها من إدانته في مشهد آخر، ويؤكّد نبوغه مباشرة في كل الحالات.