مدخل
يقول د. محسن الرملي في تقديمه لكتاب «لهذا نكتب الروايات.. شهادات وحوارات روائيين إسبان» إن آلاف الروايات الجديدة، تملأ واجهات ورفوف المكتبات في أنحاء إسبانيا، بحيث وصل عدد العناوين الجديدة في بعض السنوات إلى 6 آلاف، وخلفها مئات الروائيين، ممن يواصلون الانشغال والاشتغال بإنتاجها، ويتلقاها الملايين، متابعة وقراءة، فنجد قراءها في كل الأماكن، دخولاً إلى البيوت والمدارس والجامعات، وخروجاً إلى الحدائق والباصات والمترو وطوابير الانتظار، تتابعها وسائل الإعلام، وتخصص لها الجوائز والمؤتمرات، وتسخر لها ماكينات الطباعة، لأنها مطلوبة، ولها قراء يتابعونها، فهي الجنس الكتابي الاحتوائي، القابل لاستيعاب كل الموضوعات والأطروحات والتجارب والأساليب.
بداية الرواية الحديثة
من إسبانيا، بدأت الرواية الحديثة ب«دون كيخوتة» للإسباني ميغيل دي ثربانتس في القرن السابع عشر، ثم اتسعت لتسود العالم، من هنا لا غرابة في أن تستمر إسبانيا كبلد أوروبي، حريص على هذا الجنس الأدبي، فدعت إسبانيا في أواخر القرن العشرين إلى إقامة مؤتمر كبير للرواية، لكي تفحص نبضها الحالي، وتستشرف الملامح التي ستكون عليها في القرن الحادي والعشرين، وحضر المؤتمر جمع غفير من الروائيين والنقاد والناشرين والصحفيين والقراء.
شهادات المؤتمر
وقامت إحدى المجلات الثقافية الصادرة في مدريد، بنشر أهم شهادات وأوراق المؤتمر في عددها رقم 82 في مارس سنة 1993. عشرون شهادة روائية لكتاب من أنحاء أوروبا لهم مكانتهم الأدبية في بلدانهم وفي أوروبا وفي العالم، وكانت حصة إسبانيا النصف، وتم انتقاء أولئك الكتاب الذين لديهم نتاجاتهم المهمة، وأسماؤهم معروفة ممن يتمتعون بأطروحات جادة، ومن بين ما جاء في قائمة الدوافع إلى ذلك المؤتمر، الرغبة في تحليل ودراسة الدور الذي تلعبه الرواية في عصرنا المضطرب ثقافياً واجتماعياً.
مجازفة التجريب
يوضح الرملي أن الثقافة الغنية بمعانيها هي تلك التي تتميز باستعدادها الدائم للمجازفة بالتجريب، وتشكيل أطروحات جديدة، وهي القادرة على تشييد الجسور دائماً بين النقاط المتباعدة، وأن تواصل تفحص أدواتها ومعاييرها وحدودها، فالثقافة الديناميكية لا يمكنها أن تكون متأخرة عن تحولات الواقع، أو تكتفي بالانطواء على عالمها الخاص، وإنما تقوم على تشكيل احتفاليتها الجمالية، أو حتى التهكمية، التي تتيح تناول الكثير من المآسي الإنسانية التي لا تستطيع النشاطات العلمية أو العملية إضاءتها، مهما بلغت من الجدية.
قضايا المؤتمر
تناولت الشهادات أكثر من مسألة مهمة، فعدا شؤون الرواية ووضعها الحالي وآفاق مستقبلها من حيث الدور والتقنية واللغة، تم تبادل وجهات النظر عن حاضر العالم سياسياً واجتماعياً وثقافياً، وماهية دور المثقف في ذلك بشكل عام، والروائي بشكل خاص، ومن ذلك نجد التطرق إلى مسائل كالوحدة الأوروبية، العولمة، الهويات، الجماعة، الفرد، التاريخ، الحروب، الفن، الواقع، الخيال، الهجرة، الاغتراب، التكنولوجيا، الكتابة.
شهادات الروائيين الإسبان
شهادات الروائيين الإسبان تكشف عن طبيعة رؤيتهم للعديد من القضايا، ومنهم فهمهم للفن الروائي، وتعاطيهم معه على الصعيدين الشخصي والعام، وأغلب ما يتعلق به، ومن أجل توسيع المشهد والتعرف أكثر إلى مناخات وذهنية بعض المشتغلين في حقل الإبداع الروائي الإسباني.
محتوى الكتاب
يضم الكتاب ستة حوارات وعشر شهادات لروائيين إسبان من مختلف الأجيال والمراحل والتوجهات والأساليب والمستويات والشهرة، بعضهم يعرفه القارئ العربي، وبعضهم لا يعرفه، ويعطي المحتوى صورة واسعة وقريبة لمعرفة وفهم طبيعة جوانب كثير من المشهد الروائي الإسباني، وذهنية وانشغالات كتابه، الأمر الذي يسهم في خدمة المثقف والقارئ العربي بشكل عام.