تسبب التصعيد العسكرى الإسرائيلى فى حالة نزوح داخلية وخارجية للمستوطنين الإسرائيليين نتيجة عدم شعورهم بالأمان، وذلك نتيجة القصف الإيرانى القوى الذى استهدف مدنا وبلدات إسرائيلية كبيرة، فضلا عن تمكن الفصائل الفلسطينية من اجتياز السياج الحدودى فى أكتوبر 2023 وتنفيذ عمليات قتل فى العمق الإسرائيلى واحتجاز عشرات الأسرى من المستوطنين.
التصعيد العسكرى الذى قاده جيش الاحتلال الإسرائيلى فى غزة وإيران وسوريا ولبنان خلال الفترات الماضية بذريعة استهداف أهداف تهدد أمن «إسرائيل» هى الذريعة التى سقطت على أسوار تل أبيب التى تعرضت لضربات قوية من إيران وحلفائها فى الإقليم، وهو ما أصاب اليمين الإسرائيلى المتطرف بالجنون وعمل على التصعيد المستمر وتنفيذ سلسلة من الاغتيالات ضد عدد من القيادات الفلسطينية سواء داخل الأراضى المحتلة واستهداف منشآت نووية إسرائيلية.
لم تتوقع إسرائيل بأن يكون الرد الإيرانى قويا على جرائمها وقصفها المستمر لعدد من المدن الإيرانية، وهو ما تسبب فى حالة من الفزع والرعب والخوف فى قلوب المستوطنين الذين سعوا إلى الهجرة العكسية خارج إسرائيل خوفا على حياتهم وإيمانهم بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تكذب عليهم حول استراتيجية الأمن القومى الإسرائيلى وعدم قدرة أى طرف على استهداف عمق دولة الاحتلال.
جزء كبير من المجتمع الدولى وفى المقدمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى يتجاهلون عمدا أن أحداث 7 أكتوبر كانت ردة فعل على جرائم ترتكب بحق الفلسطينيين منذ عقود، وتجاهل للقرارات الأممية الصادرة عن احتلال إسرائيل لأرض فلسطين والاعتراف الأممى بضرورة إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو عام 1967 وفق القرار 242 وهو قرار من عدة قرارات أممية تتجاهل إسرائيل تنفيذها بدعم أمريكى.
المؤكد أننا أمام مشهد عجيب تقوده الولايات المتحدة وتدعمه بعض الدول الأوروبية مع عدم احترام إسرائيل لمقررات الشرعية الدولية وتحدى الجميع بمواصلة عدوانها على غزة، وسط صمت وخزى من الدول الداعمة لإسرائيل والتى لم تجرؤ حتى اللحظة على وقف الدعم العسكرى لإسرائيل كأداة من أدوات الضغط لوقف العدوان الإسرائيلى على غزة وفى مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة.
إسرائيل بمثابة سرطان ينهش فى المنطقة وسيؤدى لإشعال الإقليم واتساع رقعة المواجهات العسكرية خلال الفترة المقبلة، وعلى الرغم من محاولات إسرائيل تفعيل سياسة «الردع» للدول المجاورة لها إلا أنها فشلت حتى اللحظة فى القيام بذلك مع تمسك شعوب الدول التى تحتل إسرائيل أراضيها على المقاومة وانتزاع حقها بالقوة مثلما فعلت العصابات الصهيونية فى نكبة 1948.
وتتحمل الولايات المتحدة وبريطانيا أيضا المسؤولية الكاملة على ما يحدث فى الإقليم بذرعهما للكيان الصهيونى فى منطقتنا بذريعة إقامة وطن قومى لليهود، ودعم العصابات الصهيونية والوكالات التابعة لها ماليا وسياسيا لتسهيل جريمة نقل مئات آلاف اليهود المنتشرين فى أوروبا وروسيا وبولندا إلى الأراضى الفلسطينية، وكانت بريطانيا واحدة من أكثر الدول تشددا فى دعم هذا التوجه وارتكبت مجازر جماعية بمشاركتها فى العمليات الاجرامية التى نفذتها العصابات الصهيونية لاحتلال أراضى الفلسطينيين، ومن واجب بريطانى والولايات المتحدة الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة على حدود 4 يونيو 1967.
إسرائيل أكثر كيان هش فى هذه المنطقة حيث يجمع أكثر من 90 طائفة دينية تتعارض وتتصارع داخل هذا الكيان المحتل، فضلا عن التيارات السياسية والحزبية المتطرفة التى ترفع شعار «قتل أطفال العرب» لتحقيق أجندتها ومصالحها، مع وجود صراع خفى بين اليهود الشرقيين «سفارديم» واليهود الغربيين «الإشكناز»، هذا مع تصاعد الهجرات اليهودية العكسية من تل أبيب إلى الدول الغربية لعدم انتماء هؤلاء لهذه الأرض الفلسطينية وإدراكهم بأن ما تقوم به إسرائيل هو احتلال وتنكيل بالفلسطينيين مع عجز أمنى وعسكرى واستخباراتى إسرائيلى عن تأمين أيا من اليهود الوافدين إلى الكيان المحتل.