التحديات التي تواجه الموازنة العامة في العراق
تتعاظم التحديات أمام الدولة العراقية في سبيل الوصول إلى موازنة قادرة على الاستقرار ومواجهة الأزمات. وبينما لا تزال عائدات النفط تمثل العمود الفقري للموازنة العامة، تكشف الأصوات الاقتصادية المتخصصة عن ضرورة إعادة النظر في فلسفة إدارة المال العام، عبر الانتقال من الريع إلى الإنتاج، ومن الاعتماد إلى التنوع، ومن العشوائية إلى الحوكمة.
الحاجة إلى تعزيز الموازنة العامة
يؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي والمالي نوار السعدي أن تعزيز الموازنة العامة للدولة لا يتحقق من خلال الاعتماد على الإيرادات النفطية وحدها. يشير إلى أن العراق يعاني من هشاشة واضحة في هيكل الموازنة، حيث ما زال أكثر من 90% من الإيرادات يعتمد على صادرات النفط. هذا يجعلهم عرضة للتقلبات الحادة في أسعار الخام، ويعرّض البلاد إلى عجز مفاجئ قد يعطّل قدرتها على الإنفاق العام.
إصلاح النظام المالي والإداري
يرى السعدي أن تعظيم الإيرادات لا يعني زيادة الضرائب على المواطن، بل يتطلب إصلاحًا جوهريًا للنظام المالي والإداري. يؤكد على ضرورة السيطرة على الموارد غير النفطية التي ما تزال تُهدر أو تُدار خارج الأطر الرسمية. يجب أن تخضع المنافذ الحدودية والضرائب والرسوم والاستثمارات العقارية لنظام مركزي موحد يخضع للرقابة، وتُحوّل إيراداتها مباشرة إلى الخزينة العامة. يعتبر أن استعادة الثقة بين المواطن والدولة تمر بعدالة الجباية وشفافية التخصيص.
قطاعات مهمة ومهملة
يشدد السعدي على أن الدولة العراقية تملك قطاعات قادرة على تحقيق موارد فعليّة لو أُديرت باحتراف، منها السياحة الدينية والصناعة التحويلية والزراعة والخدمات اللوجستية. يرى أن التعامل مع هذه القطاعات بوصفها عبئًا إداريًا وليس أدوات تمويل هو ما يحرم الموازنة من مواردها الفعلية. يضيف أن إصلاح النظام الضريبي لا يجب أن يعني ملاحقة الطبقات الضعيفة، بل مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية الرقمية وضمان عدالة التوزيع الضريبي بما يتناسب مع النشاط والدخل.
فلسفة الإدارة هي أساس التحوّل
يختم السعدي بأن لا يمكن الحديث عن موازنة قوية في ظل اقتصاد غير منتِج. يشير إلى أن الاستقرار المالي الحقيقي يتطلب إرادة سياسية واضحة لتوسيع مصادر الدولة وتحويل الموارد المهدورة إلى أرقام واضحة داخل الموازنة. يعتقد أن المطلوب اليوم ليس مجرد تعظيم الموارد رقميًا، بل تغيير فلسفة إدارة المال العام من الريعية إلى التنوع، ومن الاعتماد إلى الإنتاج، ومن العشوائية إلى الحوكمة. تلك، برأيه، هي الركائز التي يمكن أن تضع الموازنة على طريق الاستدامة وتمنح العراق أفقًا ماليًا جديدًا.