الإلحاد في العراق: ظاهرة متزايدة ومسألة وجودية
بغداد اليوم – بغداد
في السنوات الأخيرة، لم يعد الإلحاد في العراق مجرد مواقف فردية أو حالات معزولة، بل تحوّل تدريجيًا إلى ظاهرة واضحة، خصوصًا بين فئة الشباب. وقد أثارت تصريحات أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي حول تزايد نسبة الملحدين في العراق وحول العلاقة بين صعود الإسلام السياسي وتنامي هذه الظاهرة، تساؤلات عميقة عن مستقبل الهوية الدينية في العراق، وما إذا كانت الموجة الجديدة تمثل تمردًا على الفشل السياسي أكثر مما هي موقف وجودي أو فكري بحت.
الإسلام السياسي تحت مجهر الغضب الشعبي
يرى العرداوي أن هناك "تناسبًا طرديًا واضحًا بين تنامي الإسلام السياسي وتصاعد الاتجاه الإلحادي في البلدان العربية، ومنها العراق". ويُرجع هذا الترابط إلى خيبة الأمل العامة من أداء القوى التي رفعت شعار الإسلام كحلّ، لكنها – بحسبه – "أخفقت في تقديم نموذج حكم ناجح، ما دفع قطاعات من المجتمع، ولا سيما الشباب، إلى تحميل الدين مسؤولية الإخفاق السياسي والمعيشي".
التاريخ يعيد نفسه: من الكنيسة إلى الإسلام السياسي
ولمقاربة الظاهرة ضمن أفق أوسع، يستشهد العرداوي بالتجربة الأوروبية الحديثة، حيث حمّلت المجتمعات الكنيسة والطبقة الأرستقراطية مسؤولية التخلف والاستبداد، ما قاد إلى ثورات فكرية عنيفة ضد الدين الممأسس. "حتى قال أحدهم: لن تُولد الحرية إلا بعد شنق آخر أرستقراطي بأمعاء آخر قسيس".
أرقام تتحدث: من الخفاء إلى التعبير العلني
لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة عن عدد الملحدين في العراق، إلا أن دراسات غير حكومية وتقارير إعلامية محلية ودولية تشير إلى تصاعد الظاهرة، خاصة بعد احتجاجات تشرين 2019، وما تلاها من اهتزاز في صورة المرجعيات السياسية والدينية على حد سواء.
بين الغضب والتشكيك: هل هو إلحاد حقيقي أم احتجاج رمزي؟
يرى مختصون في علم الاجتماع أن الكثير من "الملحدين الجدد" لا يُمكن تصنيفهم ضمن الإلحاد الكلاسيكي، بل هم أقرب إلى حالة "رفض غاضب" تجاه الواقع الديني والسياسي الذي يعيشونه. يقول أحد الباحثين: "إنهم شباب فقدوا الثقة بكل شيء: الدولة، الدين، المؤسسة، الأسرة، التعليم.. فاختاروا أن يبدأوا من نقطة الصفر".
بين الإنذار والتغيير المحتمل
رغم حساسية الموضوع، إلا أن ظهور موجات الإلحاد أو التشكيك الديني في العراق يجب ألا يُقرأ من زاوية أمنية أو أخلاقية فقط، بل باعتباره مؤشّرًا على أزمة ثقة وانقطاع في الحوار بين المجتمع والدولة، وبين الدين والسياسة.
فالإلحاد، في كثير من الحالات، ليس موقفًا وجوديًا بقدر ما هو رد فعل احتجاجي على خذلان كبير. وإذا أرادت قوى الإسلام السياسي أن تتجنّب المصير ذاته الذي واجهته الحركات القومية، فعليها أن تفهم الرسالة: الشباب لا يبحثون عن فتوى، بل عن كرامة وعدالة وفرص حياة حقيقية.