تجارب ناجحة في فرض غرامات على رمي النفايات في الطرقات
تفرض بلدان عدة غرامات وعقوبات على رمي النفايات في الطرقات، لما يشكله هذا السلوك من ضرر وتلوث للبيئة وإهمال للنظافة العامة. ويعتبر الإسهام في تلوث البيئة مخالفة قانونية بالفعل، وهذا ما دفع دولاً عدة إلى فرض غرامات على المخالفين. مثل هذه الإجراءات لعبت دوراً مهماً في نشر ثقافة قوامها الحفاظ على النظافة العامة. وقد تختلف قيمة هذه الغرامات التي تفرض بين بلد وآخر، لكن مما لا شك فيه أن تجارب عديدة مماثلة أثبتت جدواها في المجتمعات.
الأزمة المستمرة في لبنان
في لبنان، لا تزال أزمة النفايات مستمرة منذ أكثر من عقد، ولم تتمكن أي من الحلول المطروحة من معالجتها. وإذا بها تعود للواجهة بين الفترة والأخرى مع عودة تكدس النفايات في الطرقات لتشكل تحدياً بيئياً وصحياً واجتماعياً مزمناً، إضافة إلى ذلك لم تتخذ يوماً في السابق إجراءات جدية وصارمة بهدف الحفاظ على النظافة العامة، لكن تعددت المبادرات الفردية التي حاولت مواجهتها بغياب الحلول الرسمية الجدية في مراحل سبقت، ونشهد اليوم على إجراءات أكثر تشدداً في البلاد لنشر الوعي بين المواطنين.
تجربة سنغافورة
قد تكون سنغافورة أشهر الدول التي حققت تقدماً بارزاً في هذا المجال، وقد تكون مثالاً يحتذى به، إذ وضعت البلاد قوانين صارمة في مواجهة مثل هذه السلوكيات التي تلقى فيها النفايات على الطرقات، وفرضت غرامات مرتفعة على المخالفين. وفيها تختلف الغرامات بحسب عدد مرات المخالفة وتزيد مع تكرارها، ففي المخالفة الأولى تصل الغرامة إلى 1000 دولار سنغافوري (ما يوازي 780 دولاراً أميركياً). وتتضاعف الغرامة لتصل إلى 2000 دولار سنغافوري في المخالفة الثانية، مع عمل تصحيحي يتطلب من المخالف تنظيف الأماكن العامة. وتصل الغرامة إلى 10 آلاف دولار سنغافوري في المخالفة الثالثة، أي ما يعادل 7785 دولاراً أميركياً تقريباً، إضافة إلى أمر عمل تصحيحي أو عقوبات أخرى.
تجربة بلدية عاليه
في لبنان تعتبر بلدية عاليه في محافظة جبل لبنان سباقة في فرض غرامات على رمي النفايات في الطرقات، لذلك أحدث خبر فرض غرامة تبلغ 100 دولار أميركي على أية مخالفة من هذا النوع ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام. وفي تفاصيل هذه المبادرة تحدث مسؤول لجنة البيئة في بلدية عاليه فادي شهيب بالإشارة إلى أنها استندت إلى تجربة المجلس البلدي في الدورة الماضية، إذ اعتمدت حلول كثيرة في مواجهة السلوكيات السلبية في هذا المجال، مع وضع يافطات في مختلف أنحاء عاليه، ونشر شباب يعملون على نشر الوعي ويقومون بحملات تنظيف، لكن تبين أن هذا كله غير مجد، بما أن حملات التنظيف في الشوارع كانت من دون فائدة وسرعان ما تعود النفايات وتتكدس سريعاً في الطرقات.
تجارب أخرى
أما بلدية برمانا التي تعتبر وجهة سياحية في لبنان أيضاً، فكانت سباقة في فرز النفايات من المصدر مجاناً في مواجهة أزمة النفايات. ففي حديث مع رئيس بلديتها ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر أوضح أن برمانا تشتهر بكونها من تلك الأكثر نظافة في جبل لبنان، لكن مسألة فرض الغرامات على المخالفين الذين يرمون النفايات في الطرقات معقدة على حد قوله، وتستدعي وضع خطة كاملة. كما أن تنفيذها قد يكون صعباً، لأن مراقبة تنفيذ هذه الخطوة قد يتطلب نشر ما لا يقل عن 500 كاميرا في شوارع برمانا.
الطريق إلى الحل
بالنسبة إلى لبنان لا يزال الطريق طويلاً، لكن الخطوات الأولى بدأت بانتظار أن تتخذ مزيد من البلديات إجراءات مشددة تضمن الحفاظ على النظافة ونشر ثقافة الحفاظ على البيئة في البلاد، مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، والدليل على ذلك ما استطاعت أن تحققه سنغافورة بعد أن تحولت من بلدة فقيرة وصغيرة إلى مثال يحتذى به في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكن يبقى من الضروري التوسع في هذه المبادرات لتحقق انتشاراً أكبر بالإجراءات المشددة التي تتخذها والغرامات التي تفرضها في مختلف المناطق وبين مختلف البلديات، مع أهمية تعاون الوزارات المعنية لضمان التنفيذ الجدي والالتزام بالقانون.

