مع اتساع رقعة المواجهة بين إيران وإسرائيل وتزايد المخاوف من تحول التصعيد إلى حرب إقليمية شاملة، تجد مصر نفسها ـ باعتبارها دولة محورية في الشرق الأوسط ـ أمام تحديات وتداعيات مباشرة وغير مباشرة لاسيما على المستوى الاقتصادي.
وفي ظل ما يشهده العالم من اضطرابات في أسعار الطاقة، وتوتر في خطوط التجارة الدولية وتذبذب في حركة الاستثمارات يصبح من الضروري أن نطرح رؤية وطنية مبكرة لإدارة هذه الآثار ومواجهتها باحترافية.
أولًا: في قطاع الطاقة
التأثيرات المباشرة قد تبدأ بارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا بسبب اضطراب الإمدادات من الخليج خصوصًا إذا تم استهداف منشآت حيوية أو إغلاق مضيق هرمز. مثل هذا التصعيد سينعكس على زيادة فاتورة استيراد الطاقة لمصر وخاصة المنتجات البترولية المكررة والغاز المستخدم في الصناعة ما يشكل ضغطًا واضحًا على الموازنة العامة خاصة في ظل توجه الدولة نحو إعادة هيكلة دعم الطاقة تدريجيًا.
أما التأثيرات غير المباشرة فتكمن في الفرص إذ يمكن لمصر أن تستفيد من هذه الأزمة من خلال التوسع في تصدير الغاز الطبيعي المسال خصوصًا من محطة دمياط، لتغطية احتياجات أوروبا في حال تعطل الإمدادات الخليجية بما يعزز الإيرادات الدولارية ويمنح الاقتصاد دفعة جديدة.
ثانيًا: في قطاع التجارة والنقل
تتأثر خطوط التجارة الدولية عادة بأي اضطراب في المضائق الملاحية الكبرى كهرمز وباب المندب وهو ما يفرض تحديات وفرصًا في آنٍ واحد.
التأثيرات المباشرة تشمل احتمال ارتفاع الضغط على قناة السويس كمسار بديل لبعض الخطوط التجارية وهو ما يمثل فرصة لزيادة العوائد ولكن في المقابل إذا تصاعد التهديد في البحر الأحمر فقد تتجه بعض الشركات لتقليل مرور سفنها خوفًا من المخاطر الأمنية.
أما التأثيرات غير المباشرة فتتمثل في ارتفاع أسعار الشحن البحري والتأمين وتأثر سلاسل التوريد لاسيما للسلع الأساسية مثل الحبوب والمعدات الصناعية مما يتطلب جاهزية جمركية ووجود مخزون استراتيجي ذكي يحمي الأسواق الداخلية.
ثالثًا: في قطاع الاستثمار
ستؤدي الآثار المباشرة إلى حالة من الترقب والحذر لدى المستثمرين الأجانب وقد تؤجل بعض قرارات الاستثمار الجديدة فضلًا عن التذبذب المتوقع في البورصة المصرية نتيجة تأثر نفسية المستثمرين.
في المقابل هناك تأثيرات غير مباشرة إيجابية فمصر يمكن أن تطرح نفسها كـ”مركز استقرار اقتصادي” في منطقة مضطربة ما قد يجذب شركات تبحث عن بيئة آمنة لنقل مقراتها الإقليمية. كما ينبغي تعزيز دور الصناديق السيادية في توفير بدائل استثمارية محلية في حالة التباطؤ المؤقت في تدفق الاستثمارات الأجنبية.
التوصيات المقترحة لمواجهة التحديات:
1. تفعيل آليات التحوط في عقود استيراد الطاقة لحماية الاقتصاد من تقلب الأسعار.
2. رفع الجاهزية الأمنية واللوجستية للموانئ وقناة السويس لتعظيم العوائد وتقليل المخاطر.
3. تشجيع التصنيع المحلي والاكتفاء الذاتي في القطاعات الحيوية.
4. تطوير خطة وطنية للاستجابة الاقتصادية السريعة للأزمات الإقليمية تحت إشراف المجموعة الاقتصادية.
5. الترويج لمصر دوليًا كوجهة آمنة للاستثمار ذات موقع استراتيجي ومناخ سياسي مستقر.
6. تعزيز الدور الإعلامي والمجتمعي في توعية الرأي العام بتداعيات الأزمة ومواجهة الشائعات وبناء خطاب وطني جامع.
الإعلام والمجتمع المدني: سلاح المواجهة الناعمة
في الأزمات يكون الإعلام هو خط الدفاع الأول يجب عليه أن يقدّم تحليلات موضوعية بلغة مبسطة دون تهويل أو تهوين. كما يلعب المجتمع المدني دورًا تكميليًا بالغ الأهمية من خلال حملات التوعية ودعم التكافل الاجتماعي وإشراك الشباب في فهم المشهد الإقليمي والوقوف صفًا واحدًا خلف الدولة.
ختامًا فإن الشعب المصري بحكمته ووعيه ودولته بما تمتلكه من مؤسسات قوية ورؤية استراتيجية قادران على اجتياز أي تأثيرات جانبية لهذا الصراع الإقليمي وتحويل التحديات إلى فرص.
علينا فقط أن نستبق الأحداث وأن نتحرك بخطة واعية وقرارات جريئة واصطفاف وطني لا يعرف التراخي