واقع التعليم الخاص في العراق: فوضى وأزمات
خصخصة التعليم في الثمانينات
وضعت الحكومة العراقية منذ نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي خطة استرشادية للقطاع الخاص حددت بموجبها التعليمات والضوابط والسياسات التشجيعية التي تبنتها آنذاك لتشجيع الاستثمارات في مجال التعليم الجامعي الأهلي. هذا النشاط استند إلى أن العلاقة بين الجامعات الحكومية والأهلية ليست تنافسية بل تكاملية، بهدف استيعاب تزايد عدد خريجي الثانوية العامة المقبلين على التعليم الجامعي.
التوسع في التعليم الأهلي
تم تأسيس أولى الجامعات الأهلية الخاصة سنة 1988، وهي "كلية التراث الجامعة"، وتلتها عدة جامعات أخرى. يضم العراق أكثر من 66 جامعة وكلية أهلية معترف بها رسميا من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بينها ثماني جامعات في إقليم كردستان. وتضم تلك الجامعات والكليات أكثر من 570 قسما في اختصاصات شملت المجموعات الطبية والهندسية والإنسانية، بينما يوجد 35 جامعة حكومية ما يشكل نصف نصاب الأهلي.
التعليم الخاص رديف يحتاج السند
من المفترض أن تكون الجامعات والمدارس الأهلية ذات طابع إيجابي وأن تشكل عامل قوة للدولة العراقية، ولكن واقع الحال كشف عكس ذلك. إن أغلب هذه الكليات تركز على عامل الربح وتهتم بالكم وتحول معظمها إلى دكاكين لبيع الشهادات، بحسب مختصين. يترافق مع العدد الكبير من الجامعات الأهلية فوضى لا تفيد واقع التعليم الأهلي في البلاد، وبدلا من أن يؤدي العدد إلى خريجين أكثر وفرص عمل أفضل، تنتج تلك الجامعات أجيالا من العاطلين عن العمل.
الفساد في القبول
يمثل الفساد في القبول المشكلة الأبرز، فالطلاب ذوو المعدل التراكمي المنخفض الذين لم يتم قبولهم في الجامعات والمعاهد الحكومية، غالبًا ما يتقدمون إلى الجامعات الخاصة ذات المعايير الأقل. يمكن الحصول على القبول في الجامعات الخاصة من خلال الرشاوى، كما تقبل الأقسام الطبية في بعض الجامعات الخاصة خريجي الثانوية العامة من برامج الأدب أو التجارة أو الاقتصاد – وهو ما يخالف المعايير الأكاديمية – وهذا بسبب الفساد والمحسوبية.
التكاليف المالية العالية
تأتي التكاليف المالية العالية التي تستلزم التسجيل في الجامعة أيضا كمعضلة. رغم أن وزارة التعليم العالي كانت قد طلبت من الجامعات الأهلية منح تخفيض في التكاليف لا تقل عن 20 في المئة منها، لكن بعض الجامعات الأهلية لم تلتزم بذلك ولم تحرك الوزارة ساكنا بحجة استقلالية الكليات الأهلية الاقتصادية عن الوزارة.
أسباب هيمنة القطاع الخاص التعليمي
يأتي التغاضي الحكومي عن ضرورة قوننة هذا القطاع ومتابعة مخرجاته التربوية من أهم أسباب هيمنة قطاع الجامعات الأهلية. حيث ذكر وزير التخطيط العراقي "خالد بتال" في تصريح صحافي سابق بأن حصة التعليم الجامعي الأهلي في العراق قد بلغت حوالي 30 بالمئة من الطلبة المقبولين سنوياً، وشدد على أن الهدف هو أن تقوم وزارة التعليم العالي بدعم من الطبقة السياسية العراقية برفع هذه النسبة إلى 50 بالمئة.
دور الماكنة الإعلامية الترويجية
يأتي دور الماكنة الإعلامية الترويجية للتعليم الخاص بكل مستوياته، لتستغل النواقص التي تعاني منها المدارس والجامعات الحكومية، وتستعرض الخدمات التي يقدمها التعليم الأهلي والتي تعتبر عنصر الجذب بالدرجة الأولى، مثل خطوط النقل ووجبة الطعام والمباني الحديثة والجيدة، وما يشاع عن ذلك النجاح بلا جهد أحيانا.
كليات أهلية لاختصاصات تدر الأموال
يتركز التوسع في الجامعات الأهلية لكليات طب الأسنان والهندسة والصيدلة تحديدا لكونها أكثر الاختصاصات التي تدرّ الأموال لتلك الكليات. وصل عدد كليات طب الأسنان الأهلية في 2021 إلى 30 كلية، مقابل 20 كلية حكومية. أما كليات الهندسة الأهلية، فبلغ عددها 58 كلية، تضم فروعا متعددة، في حين أن الحكومية عددها 37 كلية.
غياب القوانين المسؤولة .. يخلق الفوضى
يجيز قانون التعليم العالي الأهلي في العراق رقم 25 لعام 2016، لمجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير التعليم العالي والبحث العلمي وبعد استكمال كافة متطلبات التأسيس، منح إجازة تأسيس الجامعة أو الكلية أو المعهد الأهلي لأي من الجهات الآتية: حملة شهادة الدكتوراه أو الماجستير من المتقاعدين أو من غير الموظفين ممن هم بمرتبة أستاذ مساعد على الأقل.
ثغرات قانونية
أكد اختصاصيون وقانونيون أن القانون يضم ثغرات عديدة تحتاج إلى معالجات سريعة من قبل البرلمان العراقي لتغييرها، مثل متطلبات التأسيس، وإعطاء السلطة المالية والإدارية للجامعات والكليات الأهلية، بحيث يمكنها التحكم بالأقساط الدراسية لزيادة مرابحها كما تريد.
مطالب بالتغيير
من أبرز القوانين المقترحة، شروط أن يكون للجامعة الأهلية المستحدثة مساهمات واضحة في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي، وأن تكون ذات قدرة مالية لتهيئة المتطلبات كافة التي تحدد بتعليمات تصدرها الوزارة. يبقى واقع التعليم الخاص في العراق يقترن بالعديد من التحديات والفوضى، مما ي呼ى بتدخل حكومي فعال لضبط هذا القطاع وتحسين جودة التعليم في البلاد.