تواصل الحرب الروسية الأوكرانية، إشعال الموقف الدولى، وزيادة الخسائر في المقدارات الروسية والأوروبية وبالأدق “الأوكرانية”، اذا يتزامن التفاوض مع القصف، الذى تعدى من مرحلة النزاع إلى مرحلة تكسير العظام، وضرب العمق المتبادل، ربما جاء كل هذا بعد نفاد صبر الوسطاء المفاوضون، وعلى رأسهم أمريكا، التى تلعب دور المفاوض، وقائد صفقة المعادن الثمينة، إذا يرغب ترامب في تعزيز الخزانة الأمريكية ووقف نفقات بلاده على الحرب.
بالنظر إلى الرابح والخاسر، حتى اليوم منذ اندلاع الصراع، نجد خسارة روسيا وصلت لـ 300 مليار دولار، وأكثر من 150 ألف شخص، مع تشريد 10 ملايين مواطن بالإضافة إلى خسارة 7 مليارات دولار في عملية “الشبكة العنكبوتية “، بينما يخسر الجانب الأوكرانى 20% من مساحة أرضه، أقل ما توصف بأنها مناطق تحت سيطرة الجانب الآخر، بالإضافة إلى استهداف العمق الأوكرانى، ويستمر نزيف الحرب على قدر تدخلات الأطراف الأخرى، في حرب بدأت بتداخل بين فرقاء الاتحاد السوفيتي، وتراكمات، وإيعاز وتخوفات الجوار والاستحواذ، وتدور رحى الحرب بنفس الأسباب التي مهدت وأدت إليها، وتستمر تحت وطأة الرغبة في الاستحواذ المتبادل الذي يغذيه الأطراف ما بين أوربية متخوفة وأمريكية تنتظر الأرباح والاستمرار يدفع للتصعيد.
وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية، فى العديد من المتغيرات على المستوى العالمى، وبالتالى كان هناك رابحون وخاسرون، بالتأكيد كل الدول التى تنتج أنواع الطاقة المختلفة استفادت بعد ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، فى سنوات طويلة، حيث كانت الأسعار في أوروبا أكثر ارتفاعاً من أي منطقة أخرى فى العالم، والأمر خاضع للاحتياج.
أمريكا التي كانت تدير الحرب هي أمريكا التي تدير التفاوض، وتستعجل جني المعادن الثمينة من أوكرانيا، وتصلب بوتين في التفاوض وإصراره على الإبقاء على ما ضمه من جمهوريات أوكرانية، ربما هو سبب استهداف العمق الروسي، خاصة بعد استعادته الوضع في كورسك الروسية، فالتفاوض الآن يتزامن مع مزيد من الاستهداف العميق.
وأسباب استمرار الحرب، تخضع للاعتبارات الخاصة بكل طرف في روسيا وأوكرانيا، اذا تصر روسيا على استقطاع منطقة، عازلة عن الناتو، بها عرقيات روسية منذ الاتحاد السوفيتى، بالإضافة إلى إطلالها على المياه الدافئة في البحر الأسود والموانئ العالمية لتصدير القمح، كأحد أهم السلع الإستراتيجية والتصديرية، بينما تصر أوكرانيا على عودة الأراضى الأوكرانية، وتعزيز الأمن الأوروبى، المرتبط بمخاوف بولندا ودول الجوار الروسى وبيلا روسيا.
وتتخوف أوروبا من الجوار الروسى، لتظل الحرب دائرة ومرشحة لتصعيد المواجهات في تنازع بين ثلاث جبهات مختلفة في وجهات النظر وفي شروط وقف الحرب (أوكرانيا وأوربا – أمريكا – روسيا).
وجهة النظر الواقعية والتي تعكس صفقة سياسية، تنفرد بها أمريكا، متضمنة اتصالات بروسيا، والتي ترى تجميد الحرب على الوضع القائم، بأن تحصل روسيا على الأراضى التي ضمتها، في مقابل عدم العدوان مرة أخرى، وأن تحصل أمريكا على المعادن الثمينة من تحت الأراضى الأوكرانية المتبقية، والتى تمثل 80%، من خريطة أوكرانيا ما قبل 2014، بينما تطلب أوروبا، ضمانات أمنية روسية مع مقترحات غير واقعية في تشكيل قوات حفظ سلام على حدود طويلة لا يتوفر لها جنود.
ونعيش مرحلة حرب تكسير عظام وأوراق الضغط المتبادلة، يبدو أن تلك الحرب تسببت في نفاذ صبر الإدارة الأمريكية التي تستهدف الحصول على المعادن الثمينة ورد نفقات الحرب إلى الخزانة الأمريكية، ما تسبب في معركة ” الدرونز” المسماة بـ “الشبكة العنكوتية” وهى معركة استخباراتية بالدرجة الأولى تفوق قدرات أوكرانيا وحدها، للضغط على روسيا .
في النهاية هذه الحرب، كانت تتويج لسنوات من التحدى والعناد ويبدو أننا كنا قد تصورنا أن الحرب الباردة قد انتهت بلا عودة ، ولكن التصورات التي حدثت في السنوات الأخيرة، وزيادة حدة التحديات بين الدول الكبرى، ودخول الصين في الصورة، وزيادة الحروب التجارية والاقتصادية، كل هذه الأمور تقول بأن السعى بين الدول الكبرى ، للوصول إلى قيادة العالم لا يتوقف، و كل دولة من حقها أن تسعى بأن تكون الدولة الأكبر، وتحصل على الاستفادات الأكبر اقتصاديًا وسياسيًا واستراتيجيًا وبالتالى البحث عن من يدعم هذه الحرب، أنه يتجاهل ما حدث بالفعل من خسائر بشرية ومادية، بعيدًا عن الصراعات بين الدول .

