عندما تشاهد فيلم رعب، يحاول أغلبية صناع العمل من بداية اللقطة الأولى أن يضعوك على المسار الهيتشكوكي لتشعر أن هناك خطبًا ما يعقبه صراخ وجريمة، لكن في فيلم Sinners – الخطاة – للمخرج رايان كوجلر، نحن أمام تجربة مختلفة تمامًا، تجربة تتجاوز التصنيفات، وتعيد تعريف الرعب كأداة لفهم التاريخ والموسيقى والهوية.
تبدأ الأحداث بعودة التوأمين “سموك” و”ستاك” – من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى – حاملين أموال عصابات شيكاغو إلى مسقط رأسيهما في ولاية ميسيسيبي، ويخططان لافتتاح حانة للسود “الجوك جوينت”، وهو مصطلح عامي أمريكي أفريقي يشير إلى مكان غير رسمي يقدم الموسيقى والرقص والمقامرة والمشروبات، وبعد المشهد الافتتاحي، يستغرق الفيلم وقتًا في استعراض العلاقات الإنسانية بين الأخوين والمجتمع المحيط بهما، والتحضيرات لبناء هذا الملاذ لأصحاب البشرة السوداء خارج نطاق سيطرة الرجل الأبيض.
الفيلم يبدأ كدراما تاريخية في ثلاثينيات الجنوب الأمريكي، لكنه يتحول سريعًا إلى فيلم رعب عن مصاصي الدماء داخل عرض موسيقي راقص، لا يسير الفيلم على خط واحد، بل ينحرف بذكاء بين الأنواع، حيث تتداخل لحظات الرعب مع الرقص في مشهد غناء الفتى سامي مور في الحانة، وهي نقطة تحول درامية استحوذت على أرواح الحاضرين من الماضي والمستقبل، لتشارك في أداء يجمع بين الرقص الإفريقي وآلات الجيتار والرقص المعاصر.
الكاميرا كانت بدورانها المستمر في هذا المشهد حول سامي والأرواح التي تنضم إلى الحانة من أزمنة مختلفة، لحظة ساحرة تجعلك تدرك أن غناء الفتى في تلك اللحظة يعبر عن شيء أكبر من ذاته، ويلعب الجيتار دورًا محوريًا بوصفه أداة مقاومة رمزية، يتجاوز كونه آلة موسيقية ليصبح وعاءً لأصالة الذاكرة السوداء التي تأبى الانصهار والتحول لشىء آخر.
كما لعب مشهد الغناء دورًا محوريًا في تطور حبكة الفيلم، أغنية الفتى تثير شهية مصاص الدماء الأبيض، الذي يرى في موهبة سامي وسيلة للارتقاء، ويحاول أخذ موهبته واستغلالها، ما يجعله استعارة صريحة لاستغلال الموسيقيين البيض للثقافة السوداء، الذين لا يمتصون الدماء فحسب، بل يسرقون الموسيقى والهوية.
الرعب هنا ليس وسيلة للترهيب، بل أداة لقراءة التاريخ، مصاصو الدماء ليسوا مجرد وحوش كما عهدنا في أفلام دراكولا وغيره، بل استعارة للقوى التي امتصت روح الثقافة السوداء وسرقت موسيقاها، من خلال هذا المجاز، يطرح الفيلم أسئلة عن العنصرية، وسلطة الكنيسة، والرجل الأبيض الذي يدعي الخلاص والنجاة، بينما يداه وشفتاه ملطختان بدماء ضحاياه، الذين يتحولون إلى مسوخ انسلخوا عن جذورهم وصاروا مصاصي دماء، تمامًا مثل قائدهم الأبيض.
الممثل مايكل ب. جوردان أجاد في دور التوأمين المتطابقين دون الوقوع في فخ اللجوء إلى الفروقات الشكلية، معتمدًا على لغة جسد دقيقة ونظرات العين التي تجعلك تدرك أنك أمام شخصيتين مختلفتين عن بعضهما البعض، في المقابل، نجم مايلز كاتون، في شخصية المزارع الموهوب ابن الواعظ وابن عم التوأمان.
Sinners ليس فيلم رعب تقليدي، بل هي رسالة بأن الرعب الحقيقي في النظرة التي ترى في تاريخ الآخر ما يستحق أن ينهب، لهذا لم يلجأ صناع العمل إلى مشاهد مصاصي الدماء كثيرا، لأن الرعب الحقيقي في سرقة الروح السوداء.