لا أعرف متى بالتحديد بدأ هذا الشعور يراودني، لكن في كل مرة أشاهد فيها مسلسلا مصريا جديدا، أبحث بعيني عنهم.. عن المراهقين، لا أقصد ظهورهم ككومبارس في مشهد مدرسة، أو كحالة شغب تُحل في خمس دقائق، بل كأبطال، كأشخاص عندهم ما يقولونه، ما يشعرون به، ما يعيشونه، وغالبا لا أجدهم، أو أجد منهم نسخا مشوهة لا تشبه الواقع في شيء، اللهم إلا مؤخرا، وربما ذلك الذي شجعني على الكتابة في هذا الملف الدرامي الشائك، فأخيرا هناك بادرة أمل.
المراهقون في مصر يعيشون مرحلة من أكثر مراحل الحياة هشاشة وتكوّنا، مزيج غريب من الرغبة في الاستقلال والخوف من الرفض، من الحلم الكبير والحصار اليومي، وفي رأيي لا يوجد جمهور أكثر احتياجا للدراما من هؤلاء، لا لأنهم ضعفاء، بل لأنهم في منتصف المعركة مع أنفسهم، مع جسدهم، مع أهلهم، ومع المجتمع.
المراهق المصري اليوم يعيش بين عالمين: البيت الذي يحاول أن يفرض عليه القواعد، والموبايل الذي يُغرِقُه برسائل متناقضة. في البيت يُطلب منه الطاعة، على السوشيال ميديا يُشجَّع على الثورة على منظومة القيم، في المدرسة يتعلم نصوصا عن القيم، وفي الإنترنت يرى أن الشهرة تأتي من فيديو سخيف أو شكل خارق، أين دراماه؟ أين المساحة التي تقول له: أنا أفهمك، أنا أراك؟
دراما المراهقين ليست مجرد تصنيف بين الأكشن والكوميديا، هي حاجة إنسانية، لأنها تسمح لهذا الشاب أو تلك الفتاة أن ترى نفسها في شخصية على الشاشة تقول ما كانت تخجل أن تعترف به، أن تبكي بدلا عنها، أو تضحك معها، أو تكتشف من خلالها أن ما تمر به طبيعي، مؤلم نعم، لكنه ليس نهاية العالم.
بوصفي أمًّا قبل أن أكون ناقدة، أعرف كم من المراهقين يحملون بداخلهم قلقا لا يُرى، وضغطا لا يُفصح عنه، وأحلاما لا يجدون من يصغي لها، وقد أثبتت التجربة أن الدراما الجيدة -حين تكتب بحب وصدق- تفتح أبوابا للحوار كان من المستحيل فتحها بطريقة مباشرة. مسلسل واحد صادق يمكن أن يغيّر طريقة أم في فهم ابنتها، أو يدفع أبا لمراجعة قسوته على ابنه، أو حتى يجعل مراهقا يسأل نفسه: هل أنا بخير؟
وعلى المستوى الرقمي، من يشك بعد اليوم أن المراهقين هم صانعو التريند؟ هم من يرفعون المحتوى ويُسقطونه، لكن كل هذا النشاط الرقمي، المليء بالحيوية، يخفي تحته هشاشة كبيرة، نحن نراهم في فيديوهات الرقص، لكننا لا نراهم في لحظات التوتر بعد منتصف الليل، دراما المراهقين يمكن أن تكون نقطة التقاء، جسرا بين هذا الجيل وذاته.
لكن هذا لن يحدث إلا إذا أخذناهم على محمل الجد، لا نكتب عنهم بل نكتب لهم، لا نفرض عليهم رسائل تربوية، بل نصنع معهم مساحات للحوار والتساؤل، نحتاج لكتّاب يسمعون لا يُلقون، ولمخرجين يؤمنون أن وجع المراهق لا يقل أهمية عن أزمة بطل المسلسل الرئيسي، نحتاج أيضا أن نخرج من القوالب، من “ابن الناس الطيبين” و”البنت المتمردة”، إلى شخصيات تنبض بالحقيقة، بالتناقض، بالضعف، بالشجاعة.
لو فكرت بالأمر، ستكتشف أن أكثر اللحظات تأثيرا فينا، كانت في سنوات المراهقة، فلماذا لا نمنح هذا الجيل لحظته؟ لماذا لا نخلق له دراما تشبهه، ترحب بأسئلته، وتعترف بحيرته، وتحتفل بحلمه؟
الدراما التي تخص المراهقين ليست رفاهية، هي أداة بقاء، أداة فهم، وربما، في لحظة صدق، أداة إنقاذ.