مدى تأثير الساعة على حياتنا اليومية
تفتح عينيك صباحاً وتنظر إلى أقرب ساعة متاحة حولك، وخلال أجزاء من الثانية وبناء على مكان تموضع عقربي الساعة تحدد الفعل الأول الذي ستقفز من السرير لتتهيأ له. الحقيقة أن الساعة أصبحت تملي علينا اليوم الكيفية التي نستجيب بها، وتتولى عملية اتخاذ قراراتنا بدءاً من لحظة الاستيقاظ الأولى وصولاً إلى ساعة النوم، تتقدم طوال الوقت وهي تحثنا على الإسراع متنقلين هنا وهناك لاهثين للحاق بالمهل الزمنية الموضوعة لنا، آملين بالوصول إلى معيار الكفاءة المزعوم، والتحلي بفضيلة العمل بكد، تقودنا عبارات على شاكلة "الوقت من ذهب" و"الوقت كالسيف" و"الوقت أثمن ما نملك".
مرض الوقت
في عصر قائم على ثقافة الاستهلاك، المال هو الهدف الأول، وللحصول عليه يطلب منك أن تقدم وقتاً، " فالمال مقابل الساعة"، يدفعنا هذا الواقع إلى البقاء على أهبة الاستعداد 24 ساعة في اليوم، هل من خروج محتمل من الدائرة المجنونة تلك؟ يصيبنا في العصر الحالي ما يعرف بـ"مرض الوقت"، وهو اسم اصطلح على تسميته الطبيب الأميركي لاري دوسي، والحقيقة أن أغلبنا مصاب بلوثة الاستعجال أو ما يسمى الـ"كرونوفوبيا"، التي تشخص كنوع من اضطراب القلق الذي يتجلى عبر الخوف من الوقت، وتتمثل الأعراض الأكثر شيوعاً لهذا الرهاب في الشعور بضيق الوقت بصورة عامة، الذي غالباً ما يرتبط بالخوف وصعوبة إنجاز المهام في موعدها المحدد، إضافة إلى التسويف وسوء التخطيط ليوم العمل، والتشتت ومحاولة إنجاز أشياء كثيرة في وقت واحد.
الإنجاز لا مدته
في حين يجب أن يتركز السعي وراء جودة العمل خلال ساعات عمل حرة ومرنة، بدل تكبيد النفس على مقصلة الوقت، وأن يراعى تقييم المرء وفقاً لإنجازه لا مدة الإنجاز، وفي هذا إعلاء للروح المعنوية وللتفكير الإبداعي، فالتحكم الذاتي في الوقت يجعل الناس أقل عجلة وأقل توتراً، ومن ثم أكثر إبداعاً. على الإنسان المعاصر أن يتحرك فوراً لإعادة سيادته على الساعة واستعادة الوقت المسلوب، فنحن لسنا هنا للعمل أو الإلهاء بالعمل طوال الوقت، وهذا يتطلب أيضاً النظر إلى أوقات الراحة على أنها جزء من الاستثمار الأرقى والأهم، فالجميع تنتابه فجأة أثناء العمل مشاعر بأنه في حاجة إلى أن يبطئ ويسترخي ويسمح لذهنه بالسكينة والهدوء.
العلاج بالداء
الأمر يتطلب أن نكون أكثر ذكاءً أو أن نعود لاستثمار ذكائنا الطبيعي في الأدوات الذكية التي نقتنيها، أي بدلاً من أن يكون استخدامنا هذه الأدوات طريقة لتمديد ساعات العمل، والعمل في كل مكان وفي كل وقت، علينا استخدامها بالصورة الصحيحة كأدوات مسخرة من أجلنا، لذا يجب علينا استخدامها لإعادة ترتيب حياتنا وتنظيم وقتنا ولإرشادنا بصورة ذكية متى نعمل ومتى نتوقف ومتى علينا أن نرتاح تماماً ومتى نستيقظ في الوقت الصحيح، عوضاً عن جعلها أدوات للتنبيه المستمر واستقبال الإشعارات من رسائل وإيميلات تعيدنا إلى العمل، أو تنبيهات ومحادثات تشتتنا عنه، أو دعوات لترك كل شيء والوصول على وجه السرعة إلى مكان ما، لنصبح مطالبين بالاستجابة الفورية أو حتى الطارئة في بعض الأحيان.
فلسفة التوازن
وفي حين أن السرعة قد تكون ممتعة ومنتجة وقوية، إلا أنها لا يمكن أن تكون منهجاً دائماً، نحن نحتاج إلى طريق وسط لتحقيق توازن بين الحياة والعمل والتخفيف من وطأة الضغط وإعادة شحن أنفسنا، نحتاج على وجه السرعة إلى معادلة تزاوج بين سعة العيش ودينامية اقتصاد المعلومة، وأن نؤمن أن فعل الشيء بالطريقة الصحيحة أفضل من فعله بوقت أقل وإيقاع أسرع. فالحقيقة أنه لا يوجد مقاس محدد للسرعة الصحيحة كي نعممها على الجميع، فلكل شخص إيقاعه كما لكل عمل ووقت ومكان وظرف، وهذا التناوب ما بين السرعات والصعود والهبوط هو الذي يكسب الحياة نبضها الحي، أن نصحح علاقتنا مع الوقت ونعيد لأنفسنا دور قيادته، لأن الشخص وحده هو القادر على ضبط إيقاعه وتنظيمه بين بطء وسرعة تبعاً لأمرين اثنين: الأول مراقبة جسده واستقبال الرسائل التي تحثه على إحداهما، والثاني طبيعة العمل الذي يقوم به.

