أزمة الموازنة في العراق: مأزق سياسي واقتصادي
تتلاشى تدريجيًا الآمال المعقودة على تمرير موازنة 2025 في العراق، وسط مشهد سياسي يتسم بالجمود التشريعي، وبرلمان شبه مشلول، وحكومة تبدو منشغلة أكثر في إدارة التوازنات السياسية منها في الالتزامات الدستورية والمالية.
برلمان غائب.. ولا أفق لانعقاد الجلسات
أكد عضو مجلس النواب جواد اليساري أن جداول موازنة العام المقبل "أصبحت من الماضي"، في إشارة إلى استحالة تمريرها في الوقت الراهن. وقال اليساري إن "الحكومة العراقية لا تملك أي جدية حقيقية في إرسال جداول موازنة 2025، وحتى لو أرسلتها – وهو أمر مستبعد – فإن تمريرها غير ممكن في ظل برلمان معطَّل، بلا جلسات وبلا نصاب وبلا نواب فعليًا".
حكومة في مأزق الزمن السياسي
كانت الحكومة العراقية قد تعهّدت مطلع العام الجاري بإرسال جداول الموازنة قبل نهاية الربع الأول، وفق تصريحات أدلى بها المتحدث باسم مجلس الوزراء باسم العوادي. لكن مرور أشهر دون إرسال الجداول يعكس إما تعطّلًا في قدرة الحكومة على صياغتها ضمن الأطر الزمنية، أو أن هنالك اعتبارات سياسية تمنع تمريرها في ظل برلمان متوتر وغير مستقر.
المالية بين أمر الواقع والمناورة
بحسب مصادر من وزارة المالية، فإن الإنفاق الحكومي لن يتوقف بغياب جداول 2025، إذ تتيح أحكام المادة (13) من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 الاعتماد على جداول السنوات السابقة لتغطية النفقات الجارية الأساسية. ومع ذلك، فإن غياب الموازنة يُجمّد عمليًا الإنفاق الاستثماري، ويوقف المشاريع الجديدة، ويُربك حركة الوزارات والمحافظات.
المأزق السياسي… حين تُجمّد الدولة بقرار غير مُعلن
غياب الجداول المالية لا يُعد خللًا إجرائيًا فقط، بل يعكس أزمة سياسية مركبة تضرب في العمق. فتعطّل البرلمان بفعل الاستقطاب الانتخابي، وغياب التنسيق بين الحكومة ومجلس النواب، يكشف أن المؤسسات الدستورية في العراق لا تعمل وفق إيقاع الدولة، بل وفق إيقاع التحالفات.
الاقتصاد في حالة ترقّب… لا ركود ولا نمو
اقتصاديًا، يدفع غياب جداول موازنة 2025 العراق إلى منطقة رمادية: ليست حالة انهيار، لكنها أيضًا ليست نموًا مستقرًا. فالرواتب تُدفع، والنفقات الجارية تمضي، لكن بلا أفق اقتصادي واضح، ولا أولويات إنفاق مصادق عليها، ولا خريطة استثمارية شفافة.
أزمة إدارة أم أزمة نظام؟
غياب جداول الموازنة للعام المقبل لا يمكن اختزاله في مشهد برلمان غائب، بل يعكس خللًا بنيويًا في العلاقة بين السلطات، حيث تتراجع أولويات التخطيط والتنمية لصالح المناكفات السياسية والمكاسب الانتخابية. وبينما تستمر الحكومة بالصرف وفق جداول قديمة، تبقى مشاريع البنى التحتية، والإصلاح الإداري، وبرامج الخدمات الاجتماعية معلّقة على حبال الوقت الضائع.