جريمة نينوى: مشهد متكرّر بطقوس مرعبة
عادت جرائم "النحر" إلى واجهة الرأي العام العراقي بعد حادثة مأساوية جديدة راح ضحيتها طفل لا يتجاوز الخامسة من عمره في إحدى مدن نينوى، ليُضاف اسمه إلى قائمة ضحايا أبرياء قُتلوا بطرق وحشية خلال الأشهر الأخيرة.
جريمة نينوى… مشهد متكرّر بطقوس مرعبة
رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، علي العبادي، قال في تصريح إن "جريمة نحر الطفل البالغ من العمر خمس سنوات، تمثل واحدة من أبشع الجرائم التي صدمت الرأي العام"، مبينًا أنها "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ سُجلت جرائم مماثلة في عدة محافظات عراقية".
ويشير العبادي إلى أن "هذا النوع من الجرائم يحمل سلوكيات شاذة ومدفوعة بعدة عوامل مترابطة، بعضها اجتماعي، وبعضها نفسي، والآخر مرتبط بتفكك الدولة أمام تصاعد الجرائم المنظمة والانحرافات الفردية".
فقر، مخدرات، وسوشيال ميديا… مثلث التفكك
بحسب العبادي، فإن أبرز العوامل التي تغذّي هذا الشكل الوحشي من الجرائم تتلخص في ثلاثية قاتلة:
الأزمات النفسية الحادة الناتجة عن الفقر والبطالة، التأثيرات السلبية لمنصات التواصل الاجتماعي التي تبث محتوى عنيفًا أو مضللًا بلا رقابة، وتفشي المخدرات بشكل واسع، وتأثيرها المباشر في تغييب العقل وجرّ البعض إلى سلوكيات همجية.
الظاهرة تتسع… والسكوت يقتل
يرى مراقبون أن المنظومة القيمية في العراق بدأت تنهار تدريجيًا تحت وطأة هذه العوامل، في ظل غياب دور مؤسسات الدولة الرقابية والتربوية، وانشغالها بالأزمات السياسية المتراكمة.
ويحذّر العبادي من أن "مؤشرات تصاعد الجريمة تنذر بتطرف أكبر في السلوك الإجرامي مستقبلاً"، مطالبًا بـ"سلسلة معالجات واقعية تبدأ من البنية التعليمية، وتفعيل منصات حماية الطفولة، بالاستناد إلى القوانين النافذة، ضمن استراتيجية حكومية تشمل تعاوناً بين وزارتي التربية وحقوق الإنسان واللجان المختصة".
ما وراء النحر… عنف يومي صامت
وفي هذا السياق، يشير مختصون في الطب النفسي إلى أن الأجيال الناشئة تُربّى اليوم في بيئة مشوّهة، يختلط فيها العنف بالمحتوى الترفيهي، وتختفي الحدود بين التفاعل الرقمي والواقع، ما يخلق نوعًا من "البلادة الأخلاقية" التي لا ترى في القتل مشهدًا مروعًا، بل تكرارًا لما يُعرض في الشاشات أو يُروّج في المنصات.
جريمة تهزّ الضمير أم مجتمع على وشك الانهيار؟
يختم العبادي حديثه بالإشارة إلى أن "جرائم النحر رغم فظاعتها، إلا أن هناك جرائم موازية لها من حيث البشاعة، مثل محاولات قتل الأبناء أو الزوجات في لحظات انتقامية داخل بعض الأسر، وهو ما يثبت أن النهاية واحدة في كل تلك الجرائم"، داعيًا إلى "عدم الاكتفاء بردود الفعل المؤقتة أو محاسبة الأفراد فقط، بل فتح تحقيق وطني في أسباب انحدار المجتمع نحو هذا المستوى من الانفجار الصامت".
ليست نينوى وحدها من تنزف. فكل جريمة نحر، وكل مشهد قتل داخل بيت أو شارع، هو جرس إنذار صاخب لدولة فقدت قبضة القانون، ومجتمع يُستنزف من الداخل بلا مقاومة.
وما لم تتحرك الحكومة نحو "برنامج إنقاذ مجتمعي"، يبدأ من المدرسة ولا ينتهي عند المحكمة، فإن جرائم مثل هذه ستتحوّل من صدمة إلى عادة، ومن استثناء إلى يوميات مروّعة في دفاتر الوطن.