في زحمة الحياة، حيث تتكاثر الأصوات وتتشابك الوجوه، يبحث الرجل عن شيء واحد لا يُشترى، ولا يُباع، ولا يُرى بالعين المجردة، يبحث عن سَكينة، والسكينة لا تسكن البيوت، بل تسكن القلوب، ولا تصنعها الجدران، بل تصنعها امرأة، امرأة لا تُشبه الجميع، تُسمّى: الزوجة الصالحة.
هي ليست فقط من تُعد الطعام وتُرتب الفراش، بل من تُرمم الداخل حين يتشقق، وتُعيد لروحك توازنها حين تتيه في صراع الدنيا، هي سلامة الروح قبل سلامة الجسد، وطمأنينة الأيام حين تضيق السبل وتتبعثر الخطى، هي الحضن الذي لا يسأل، والكتف الذي لا يخون الثقة، والصوت الذي يُطفئ حريق التعب بكلمة.
الزوجة الصالحة ليست مثالية خرافية، بل واقعية، تدرك أن الحياة ليست وردية دائمًا، لكنها تختار أن تُزهر في بيتها حتى وإن ذبل العالم خارجه، تُصبح جدارك حين تهتز، وبوصلة قلبك حين تضيع، وذاك الركن الذي ما إن تبلغه، تهدأ، وتبتسم، وتعرف أنك بخير.
هي امرأة تحمل في قلبها دعاءً، وفي عقلها حكمة، وفي يدها حنانًا يُجيد تطبيب الجروح الخفية التي لا يراها أحد، لا تُعاتب كثيرًا، ولا تُطالب بما هو فوق طاقتك، بل تقف بجانبك حين ينصرف الجميع، تُشبه النسمة التي لا تُعلن عن قدومها، لكنها تُغير طقس حياتك بهدوء عميق.
البيت معها ليس سقفًا وجدرانًا، بل وطن صغير، لا يحتاج إلى تأشيرة دخول أو أوراق إثبات، وطن تُقام فيه صلاة الرضا خمس مرات في اليوم، تُحرسه دعوات الليل، وتُنيره عيون امرأة اختارت أن تكون حارسة سلامك لا شرارة خصامك.
الزوجة الصالحة لا تجعل من الحب حربًا، بل تجعله ميثاق سلام دائم، لا ترفع صوتها لتكسب، بل تُنصت لتفهم، وتُغلق باب الخصام لا لضعف، بل لحكمة ترى فيها مصلحة الاثنين لا انتصارًا لأحدهما.
هي امرأة تُحبك حين تُحسن، وتدعو لك حين تُخطئ، وتبقى حين تتغير، لأنها لا تُراهن على مزاجك، بل على معدن روحك.
وفي زمن طغى فيه الصخب، وتكاثرت فيه العلاقات الهشة، تبقى الزوجة الصالحة نعمة تُشبه المعجزة، لا تلمع على وسائل التواصل، ولا تُحدث ضجيجًا، لكنها تُحدث فرقًا في يومك، في قلبك، في قدرتك على الاستمرار في مواجهة الحياة.
فمن رزقه الله بزوجة صالحة، فقد وُهب حياةً ثانية لا يُدرك جمالها إلا من افتقدها، هي الأمان حين يخونك العالم، والسكن حين تُنفى من كل المدن، هي بداية السلام، ومنتهاه.