لا تنتظر مِن مَن باعك أن يعود ليشتريك بكلمة، ولا تعلق قلبك على شماعة الغياب، فثمن الحب ليس الذل، ولا يُقاس الإخلاص بطول الانتظار، إن من باعك مرة، سيبيعك ألف مرة، وكلما انتظرت، فقد قلبك نبضه، وخسرت من ذاتك أكثر مما خسرت من غاب.
الحب، يا عزيزي، ليس ساحة مزاد، ولا كفّة ميزان تُوزن فيها الذكريات، الحب الحقيقي لا يُغادر فجأة، ولا يُدير لك ظهره حين تشتد العاصفة، الحب الذي يُباع، لم يكن يومًا ملكك، بل كان زائرًا في فصلك العاطفي، دخل دون موعد، وخرج دون وداع.
فلا تُحدّق طويلًا في الباب الذي أوصد، ولا تُرهق عينيك في انتظار ظلٍّ اختفى، لأنك بذلك لا تحزن فقط على من رحل، بل تحكم على نفسك بالبقاء في سجن لا جدران له، سجن من الأسى والأسئلة التي لا إجابة لها.
بدلًا من ذلك، انتظر الضوء، نعم، الضوء، ذلك الشعاع الخفيف الذي يتسلل فجأة من ثقب في جدار الحزن، يدخل قلبك دون استئذان، ويوقظ فيك ما حسبته مات: الأمل، الحنين النظيف، والقدرة على البدء من جديد.
لا تستهِن بقوة ضوء صغير، شمعة واحدة يمكن أن تهزم ظلام غرفة بأكملها، كذلك هو القلب، قد تملأه عتمة الخذلان، لكن نظرة صادقة، أو كلمة دافئة من قلب جديد، قد تُعيد إليه نبضه الجميل، وتُرمّم ما تهدّم فيه من الداخل.
فلا تجعل الحنين قيدًا، ولا الذكرى لُغماً ينسف أيامك القادمة، الماضي صفحة طُويت، والحب الذي لا يصونك لا يستحق أن تكتب اسمه في سطورك المقبلة.
أنت لست بقايا أحد، ولا مرآة مكسورة تنتظر من يُجمّلك، أنت بداية جميلة تنتظر أن تُفتح من جديد.
الحب لا يُطلب من راحل، بل يُستقبل من آتٍ، قد يأتي الحب على هيئة صديقٍ لم تلتفت إليه، أو موقفٍ بسيط يعيد ترتيب قلبك، أو حتى في لحظة صدق مع نفسك تقول فيها: “لقد اكتفيت من انتظار لا يأتي، وحان وقت العيش من أجل قلبي أنا.”
أحبب ذاتك، واحتضن وحدتك، واصنع من ألمك سُلّمًا للصعود لا هاوية للسقوط، كن مستعدًا للضوء، لأن الحياة لا تقف عند من خذلك، بل تبدأ من اللحظة التي تُغلق فيها ذلك الباب بإرادتك، وتفتح نافذتك للريح، والضوء، والاحتمال الجميل.
فالحب لا يموت، لكنه يغيّر عنوانه، والمهم أن تظل مستعدًا لاستقباله، لا في شكل قديم، بل في روح جديدة، تمنحك البهجة، وتُعيد لقلبك نغمة الحياة.