في زيارته التاريخية الثانية إلى الرياض التي اختارها مُجدداً وجهة أولى في زياراته الخارجية؛ لم يكن دونالد ترمب يتحدث بصفته رئيساً سابقاً للولايات المتحدة عادَ إلى السعودية مرة أخرى؛ بل جاء شاهداً على تحول استثنائي في الشرق الأوسط ينطلق من قلبه النابض؛ السعودية المتجددة.
لم تكن كلمات ترمب مُجرد إعجاب وإشادة بالتجربة السعودية فقط؛ لكنها كانت أيضاً تعبيراً سياسياً عميقاً عن إدراك أهم قوة في العالم، بأن السعوديين والمنطقة باتوا يرسمون مستقبلهم بأنفسهم، بل على طريقتهم الخاصة، وبمنطق العقلانية والسيادة.
ترمب لم يكتفِ بالثناء، بل وجّه رسالة قوية في رمزيتها لبعض الاتجاهات الغربية المتطرفة في السياسة الغربية، التي لطالما حاولت فرض نماذج جاهزة على شعوب المنطقة. قالها بوضوح: «لم تأتِ هذه المعجزة من دعاة التدخل الغربي، ولا من بناة الأمم؛ بل منكم أنتم، أبناء هذه الأرض». كانت تلك لحظة اعتراف بندية الشراكة التي لطالما صبغت علاقاتِ الرياض بواشنطن، واحتفاء بمسار تنموي يبني نهضةً حديثة من دون التفريط في الثقافة والجذور والقيم. لقد أدرك ترمب أنَّ ما يحدث في السعودية ليس مشروعاً مستورداً، بل نهضة نابعة من إرادة محلية تعرف ما تريد، وتمتلك الشجاعة لتحقيقه.
وفي وصفه لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لم يكن ترمب ينتهج نهجاً دبلوماسياً، بل بدا كمن يرى في الأمير نموذجاً للقيادة الفعّالة التي يعرفها جيداً. عبّر عن إعجابه الشخصي به، قائلاً إنَّه «من أفضل حلفاء الولايات المتحدة»، وسأله أمام الحضور: «هل تنام الليل؟»، في إشارة إلى حجم الإنجاز المتسارع الذي أنجزه في سنوات قليلة. ولم يكن ذلك مديحاً عابراً، بل تتويجاً لما يشبه الإجماع الدولي على أنَّ السعودية أعادت رسم موقعها في الخريطة العالمية.
ترمب تحدّث عن التحول الاقتصادي السعودي بدهشةٍ، لم تخفَ على أحد، فقال إنَّ معظم جوانب الاقتصاد السعودي باتت تتفوَّق على النفط، وإنَّ من انتقد المملكة كان مخطئاً. وأثنى على ما وصفه بـ«العبقرية السعودية»، وعلى تحوّل الرياض إلى عاصمة عالمية للتَّقنية، معتبراً أنَّ استضافة السعودية لبطولات كبرى؛ مثل كأس العالم، هو انعكاس طبيعي لهذا الطموح المُتسارع. كانت كلماته الارتجالية، التي تجاوزت مدتها 48 دقيقة، وتعدّ أطول خطاب لرئيس أميركي خارج أرضه، شهادة نادرة على أنَّ من يقترب من المشهد السعودي اليوم لا يمكنه سوى أن يُبهر لحجم التحول والإنجاز.
دُرّة التاج في تصريحات ترمب هو ما آمن به السعوديون مُبكّراً منذ اللحظات الأولى لـ«رؤية 2030»، ومهندسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث كثّف المُنجز السعودي بعبارة واضحة وقوية ومُعبّرة: «من هنا يبدأ مستقبل الشرق الأوسط». عبارة قالها دون تكلّف، لكنها تختصر وعياً جديداً آخذاً في التشكل؛ أن السعودية لم تعدّ مجردَ لاعب إقليمي، بل أصبحت مركزاً جاذباً، ومصدرَ إلهام، وقوةَ استقرار في عيون العالم، وأنَّ الرياض تمتلك هذا المزيج الفريد، وتقدمه نموذجاً للمنطقة بمُحافظتها على تراثها، وبنائها مستقبلها، ومُشاركتها العالم قيم التقدم، من دون أن تتخلى عن هويتها.
زيارة ترمب لم تكن مُجرّد حدث بروتوكولي عابر، بل حملت اعترافاً يشكل لحظة مفصلية اليوم في إعادة تموضع السعودية في الذهنية الأميركية بشكل خاص، والغربية بشكل عام، حيث أصبحت الرقم الصعب في معادلة العالم الجديد ومستقبل الشرق الأوسط، ليس بما تمتلكه من مُقدرات فحسب، بل بما تمتلكه من رؤية واتزان. لقد وصف ترمب ما يجري في المملكة بأنَّه «معجزة على الطريقة العربية».
كل هذا جاء بفعل الإرادة والعزيمة والشغف، التي رسختها قيادة ملهمة بشعب لا يعرف المستحيل.