لا شك أن العمل الصحفي والإعلامي يمر بمنعطف خطير يهدد كل المكتسبات التي حصل عليها جيل العظماء من الصحفيين الذين رسخوا أسسا ثابتة وأخلاقية بمنظومة العمل الصحفي والذي ننشده ونبحث عنه الآن، ولذلك كان من الهام أن نشير الي بعض أخلاقيات العمل الصحفي التي هي نفسها أخلاق إسلامية راسخة.
فأولى هذه الأخلاق والآداب التثبُت من الخبر والتأكد من صحته
فالتثبت قبل قبول ما نقله غير الثقات، رأي سديد، ومسلك رشيد، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. [الحجرات: 6].
وقال ابن القيم: التبيّن طلب بيان حقيقته، والإحاطة بها علما. وهاهنا فائدة لطيفة، وهي أنه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق، وتكذيبه، وشهادته جملة، وإنما أمر بالتبين، فإن قامت قرائن، وأدلة من خارج تدل على صدقه، عمل بدليل الصدق، ولو أخبر به من أخبر. وقال الشنقيطي في أضواء البيان: دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين:
الأول منهما: أن الفاسق إن جاء بنبأ ممكن معرفة حقيقته، وهل ما قاله فيه الفاسق حق، أو كذب -فإنه يجب فيه التثبت.
والثاني: هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل؛ لأن قوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} دل بدليل خطابه، أعني مفهوم مخالفته أن الجائي بنبإ، إن كان غير فاسق، بل عدلا، لا يلزم التبين في نبئه على قراءة: {فتبينوا} ولا التثبت على قراءة: {فتثبتوا} وهو كذلك وكذلك عدم تلقي العلم إلا عمن تعرف أهليته، فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. وهذا إنما يعرف بأحد أمرين: إما الشهرة والاستفاضة، وإما تزكية أهل العلم المشهود لهم بالأهلية.
والخلق الثاني هو ألا يكون الصحفي سببا في نقل وإشاعة الفاحشة
فإشاعة الفاحشة في المجتمع جريمة حَذَّر منها الحق سبحانه وتعالى في قوله: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: 19].
والآية عامة في الذين يَلتمسون العورات، ويهتكون الستور، ويشيعون الفواحش؛ قال الإمام الفخر الرازي في “مفاتيح الغيب” (23/ 184، ط. دار الفكر): [لا شك أن ظاهر قوله: ﴿إِنَّ الذين يُحِبُّونَ﴾ يفيد العموم، وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة، ولا شك أنَّ هذه الآية نزلت في قذف عائشة رضي الله عنها؛ إلَّا أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فوجب إجراؤها على ظاهرها في العموم، ومما يدلّ على أنَّه لا يجوز تخصيصها بقذفة عائشة رضي الله عنها؛ قوله تعالى: ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ فإنه صيغة جمع ولو أراد عائشة رضي الله عنها وحدها لم يجز ذلك] اهـ.
وقد جعل الإسلام إشاعة الفاحشة وفعلها في الوِزْر سواء؛ لعظم الضرر المترتب في الحالتين؛ فقد أخرج الإمام البخاري في “الأدب المفرد”، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “القائل الفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء”، وقال عطاء رضي الله عنه: “من أشاع الفاحشة فعليه النكال، وإن كان صادقًا” أخرجه ابن أبي حاتم.
كما رَتَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جريمة إشاعة الفاحشة عقوبة عظيمة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «وأيُّما رَجُلٍ أشاعَ على رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ وهُوَ مِنْها بَرِيءٌ يَشِينُهُ بِها فِي الدُّنْيا كانَ حَقًّا على الله تَعَالَى أنْ يُدْنيَهُ يَوْمَ القيامَةِ فِي النَّارِ حَتَّى يأْتِيَ بِإِنْفاذِ مَا قالَ» رواه الطبراني كما في “مجمع الزوائد” (4/ 201)، وقال الهيثمى: فيه مَن لم أعرفه.
وبناءً على ذلك فإشاعة الفاحشة في المجتمع جريمة أناط بها الشرع الشريف عقوبة عظيمة؛ فهي أمرٌ خطير يجب تجنبه والابتعاد عنه.