من عرف أن فريد يحب أن يأخذ كل واحد (على قد عقله) كان يحلو له اللعب مع الملك الذى كانت (طيبته) وسلامة نيته تبعد أى شك فى تمييز (الهزار) عن الجد خاصة مع الجيل الجديد الذى كان أقربهم إليه المخرج عمر عبد العزيز وصلاح السعدنى وفاروق الفيشاوى وغيرهم الذين كان يعاملهم كأصدقاء رغم فارق السن الكبير.
– الواد ممدوح ده راجل محترم وممثل هايل (يقول عمر مثلا)
– دوحة حياتي.. آه.. واد جميل أنا أحبه قوي (يرد الملك)
– بس برضه له حركات مش حلوة.. وفيه ندالة..
– آه له حركات مش قد كده..
– بس جميل.. وجدع وصاحب صاحبة
-اه صاحب صاحبه صحيح حياتي ..
ويظل هذا الحوار العبثي ممتدا (بجدية شديدة) حتى يدرك الملك أنهم يلعبون معه مستغلين انشغاله بنفسه عندها ينفعل عليهم (كده وكده طبعا) ويشتمهم بينما هم مواصلين سهرتهم التي يكرروا فيها تنويعات على هذا الحوار العبثي الصارخ أكثر من مرة.. ومن المفارقات أن مساعد فريد كان شخصا يدعى (صلاح) ولم تكن خفة ظله تقارن بالملك ولكنه كان أقرب لأصدقائه منه لمساعدة.
في أحد لحظات تأمله وحزنه وتذكره لعمره الذي يمضي وصحته التي أنهكها العمل والشراب فكر الملك في الذهاب إلى أداء فريضة الحج.
– واد يا صلاح أنا بفكر أروح أحج السنة دي.. (يقول الملك)
– تحج إيه..؟ والسنة دي؟ أنت بتهزر ولا سكران؟ (يرد صلاح).
– بأهزر إيه … بأقولك عايز احج هي دي فيها هزار.
– تحج إزاي أنت عارف العيد بعد كام يوم؟ إنت بتقول أي كلام؟
– بس أنا فريد شوقي.. يعني معرفش أحج..؟
– فريد على نفسك.. الباب اتقفل من زمان ومفيش طيران بيروح دلوقتي ع الحج.. فيه نظام..
– بأقولك أنا الملك.. وعايز أحج..
– شيل الحكاية من دماغك خالص.. مش هاينفع..
وانتابت (الملك) حالة من التحدي الطفولي لمساعده الغلس الذي لا يعرف قيمته الفعلية رفع سماعة التليفون واتصل بأمير سعودي من المعجبين الكثيرين في الوطن العربي وخاصة في المملكة التي سافر إليها كثيرا واستقبل كثير من أمرائها فى مختلف الأماكن.. وبمجرد سماع الطرف الأخر فى المملكة برغبة (الملك) فى الحج تعالت أصوات الضحكات وسط (قعدة) لم تتوقع أن يطلب (الملك) هذا الطلب وفى هذا الوقت.
قضى فريد وقتا طويلا لإقناعهم بجديته حتى انتهى الأمر بطلبهم إرسالة صورة جوازه على وجه السرعة، وخلال 48 ساعة كانت كل إجراءات انتقال فريد شوقي إلى الأراضي المقدسة قد أنجزت وتوجه فريد إلى المطار بصحبة صلاح غير المصدق والذي تحمل سخرية (ملكه) منه طوال الرحلة.. وإن كان مندهشا عندما قال له الملك أنه لا يريد عند عودته أن يرى زجاجة (منكر) في منزله وأن توبته صادقة ونهائية.. صلاح ينظر إليه ساخرا مما يستفز الملك ليسبه بكل الألفاظ.. وصلاح يقول له ضاحكا.. لو قلت كده لحد في الحج.. حجتك هاتبوظ ويروح كل ده على الفاضي.
حكى لنا فريد شوقي بنفسه هذه الحكاية قبل تصوير أحد مشاهد فيلم (خرج ولم يعد) لمحمد خان وهو الفيلم الثاني الذي التقى فيه بفريد كمساعد مخرج، ولكني كنت أقرب إليه من أي وقت مضى بسبب ظروف الفيلم وأجواء التصوير واستقرار الدور على فريد بإلحاح مني شخصيا على محمد خان بعد رفض لا أعلم أسبابه للفنان عادل أدهم لعب الدور الذي أعتبره (مع السقا مات) من أفضل أدوار فريد شوقي في مرحلته الجديدة.
في أحد الصباحات المبكرة في القرية القريبة من بنها التي كنا نصور بها (خرج ولم يعد) وبعد إفطار أشرفت عليه عامر بالفطير المشلتت والقشدة والجبنة القديمة والعسل الأسود.. ومع كوب الشاي قبل أن تكتمل عودة العاملين بالفيلم سألته عن رأيه في المخرجين الجدد وأذكر كلماته.
بص ياعم مجدي الموضوع مش موضوع سن.. الحكاية إنت عارف ولا مش عارف وأنا أقولك على فلسفة الجيل بتاعنا كله.. إحنا (بنقلب) المخرجين أول يوم أو اثنين نعمل نفسنا معترضين على حركة كاميرا أو جملة حوار أو حركة ممثل ونشوف المخرج هيعمل إيه.. لو لقيناه فاهم شغله وعنده مبدأ بنمشي معاه زي (الجزم) طول الفيلم.. أما لو لقيناه بيسمع كلامنا وكلام غيرنا ومش عارف شغله ولا محترمه بنبهدله ويبقي مسخرتنا لغاية ما يخلص الفيلم.. وعندما ضحكت قال لي.. بس كله بالأدب برضه.